ـ[محمد بن عبدالله]ــــــــ[23 - 05 - 07, 05:50 ص]ـ
أحسن الله إليك أخي أبا صالح.
وما نقلتَهُ فنفيس، بارك الله فيك.
وفيه دلالةٌ على أن تصحيح هذه الزيادة منهجٌ للفقهاء، خالفوا فيه أئمة الحديث ونقّاده.
وذلك ما يؤدي إليه اشتراطُ المنافاة في رد الزيادات.
مثالٌ رابع:
قال الإمام مسلم في التمييز (ص211، 212):
"ذِكْرُ روايةٍ فاسدةٍ بَيِّنٍ خَطَؤها بخلاف الجماعةِ من الحفاظ:
حدثني القاسم بن زكريا بن دينار، ثنا حسين بن علي، عن زائدة، عن عبد العزيز بن أبي رواد، عن نافع، عن ابن عمر: كان الناس يخرجون صدقة الفطر في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - صاع شعير أو تمر أو سلت أو زبيب، فلما كان عمر وكثرت الحنطة جعل عمر نصف صاع حنطة مكان صاع من تلك الأشياء.
وسنذكر - إن شاء الله - من رواية أصحاب نافع بخلاف ما روى عبد العزيز:
ثنا عبد الله بن مسلمة وقتيبة قالا: ثنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير ... وساقَهُ.
وعبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر،
وأيوب، عن نافع،
والليث، عن نافع،
والضحاك، عن نافع،
وابن جريج، أخبرني أيوب بن موسى عن نافع،
ومحمد بن إسحاق، عن نافع،
وإسماعيل بن علية ويزيد بن زريع، عن أيوب، عن نافع،
والضحاك بن عثمان، ومحمد بن إسحاق.
فهؤلاء الأجلة من أصحاب نافع قد أطبقوا على خلاف رواية ابن أبي رواد في حديثه صدقة الفطر، وهم سبعة نفر، لم يذكر أحد منهم في الحديث السلت ولا الزبيب، ولم يذكروا في أنه جعل مكان تلك الأشياء نصف صاع حنطة. إنما قال أيوب السختياني وأيوب بن موسى والليث في حديثهم: فعدل الناس به بعد نصف صاع من بر.
فقد عَرَفَ مَنْ عَقَلَ الحديثَ وأسباب الروايات حين يتابع هؤلاء من أصحاب نافع على خلاف ما روى ابن أبي رواد، فلم يذكروا جميعًا في الحديث إلا الشعير والتمر".
انتهى كلام مسلم - رحمه الله -.
وقال ابن عبد البر في الاستذكار (9/ 355، 356): "ورواه ابن أبي رواد عبد العزيز عن نافع عن ابن عمر ... وذكر في حديثه هذا: (صاعًا من تمر أو شعير أو سلت أو زبيب)، ولم يقل ذلك عن نافع أحد غيره، وليس ممن يحتج به في حديث نافع إذا خالفه حفاظ أصحاب نافع، وهم عبيد الله بن عمر ومالك وأيوب ... ".
حال الزيادة:
ليست هذه الزيادة التي زادها ابن أبي رواد تُنافي أو تخالف ما ذكره الرواة الآخرون الذين عدّهم الإمام مسلم. فإن الرواة الآخرين عدّوا أصنافًا من الطعام الذي يُخرَج في صدقة الفطر، وعدها ابن أبي رواد، إلا أنه زاد فيها: "السلت والزبيب".
النتيجة:
خطَّأ هذان الإمامان - مسلم وابن عبد البر - أحد الثقات في زيادته زيادةً ليس فيها منافاة لمعنى أصل الحديث، وهذا دليلٌ أكيد على عدم اشتراط المنافاة لِرَدِّ زيادات الثقات عندهم.
يتبع - بعون الله -، وفي الجعبة بعضٌ من نصوص العلماء والمشايخ التي تؤيد ما أذكره، ومن النقولات التي تثبت أن الخلل واقع عند عامة المتأخرين والمعاصرين في اشتراطهم المنافاة لرد زيادات الثقات.
ـ[أبو حازم الكاتب]ــــــــ[24 - 05 - 07, 01:39 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
شيخنا الكريم محمد بن عبد الله بارك الله فيك على هذا البحث اللطيف والدقيق في هذه المسألة وليتك تفيدنا أكثر بالأمثلة ونصوص الأئمة.
ثم إن مما يؤيد ما تذكره _ بارك الله فيك _ عمل الأئمة في الترجيح والإعلال في اختلاف الوصل والإرسال والوقف والرفع مع أنها قطعاً لا منافاة فيها على اصطلاح الأصوليين والفقهاء فلا يمنع أن يروى الحديث موصولا ومرسلا وموقوفا ومرفوعا فلا تعارض بالمعنى المذكور وعليه فالمنافاة عند المحدثين أوسع من المعنى المذكور عند الأصوليين فنستطيع أن نقول المنافاة شرط في رد الزيادة لكن بالمعنى المراد عند المحدثين فكون الراوي الثقة ينفرد بزيادة في الإسناد أو المتن هو بحد ذاته مخالفة ومنافاة لما يرويه البقية لأن واقع حاله أن روايته فيها تخطئة لرواية البقية وهذا منافاة، ثم يأتي هنا دور الترجيح لقبول ما ظاهره المنافاة ولذا شدد الأئمة في قبولها حتى اشترطوا _ كالإمام أحمد وغيره _ كون رواي الزيادة ثقة حافظ وليس مجرد ثقة بل إنهم أحيانا يضعفون الثقة بمثل هذه المخالفة.
¥