تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولم ينظر في الرد إلى المنافاة، بل قرر أنه يُحكم للأحفظ والأثبت على من كان دونه، بلا تطرق إلى قضية المنافاة أو ذكر لها، وظاهر هذا أنه يستوي في الحكم الذي ذكره ما كانت الزيادة فيه منافية، وما لم تكن فيه كذلك.

ويبيّنه تصرفه في غير موضع في سننه وعلله، وسبق نقل شيء من ذلك عنه في الأمثلة.

والأمثلة المذكورة مبيّنة بجلاء أنه لم يكن يخطر للأئمة ببالٍ أن يقبلوا زيادة أو يردّوا ردَّها لعدم منافاتها معنى أصل الحديث، وليُبرز لنا من سار في فلك اشتراط المنافاة نصًّا عن إمام من أئمة الحديث المتقدمين النقاد= قَبِل فيه زيادة ثقة لعدم منافاتها، أو أبى على غيره ردَّها لذلك، ولا أظنه يجد.

وقد بيَّن النصُّ الذي نقلتُهُ آنفًا عن النووي أن أهل الحديث من المتأخرين اشترطوا المنافاة في رد زيادات الثقات.

حيث إنهم قبلوا زيادة الثقة إذا لم تنافِ أصل الحديث ولو تفرد بها واحد عن جماعة، أو ثقةٌ عن أوثق، ولا يرجحون بين الجماعة والواحد والثقة والأوثق إلا إذا نافت الزيادةُ أصلَ الحديث.

فإذا تفرد ثقةٌ عن ثقاتٍ بزيادة، واستحقت الردَّ بسبب ذلك - عند المتقدمين -= أوجدوا شرط المنافاة هذا، فلم يردوها حتى تنافي أصل الحديث.

ولذلك فقد عارضوا - في غير موضع - الأئمةَ المتقدمين وغيرَهم ممن ضعّف بعض زيادات الثقات= بأنها زياداتٌ غيرُ منافية لأصل الحديث؛ فهي مقبولة.

وقد تبيّن جليًّا فيما سبق أن الأئمة لا ينظرون إلى مسألة المنافاة هذه، ويردون زيادات الثقات إذا استحقت الردَّ ولو كانت غير منافية لأصل الحديث.

ومما يثبت ما ذكرتُ عن المتأخرين: نصوصٌ عن ثلة منهم - رحمهم الله جميعًا -، منها:

قال النووي في شرح مسلم (5/ 94): «وأما قول سهيل: " إحدى عشرة إحدى عشرة "، فلا ينافي رواية الأكثرين: " ثلاثًا وثلاثين "، بل معهم زيادة يجب قبولها، وفي رواية: " تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير "، وفي رواية: أن التكبيرات أربع وثلاثون، وكلها زيادات من الثقات يجب قبولها»،

وقال في المجموع (3/ 425): «واحتجوا في أن الأنف لا يجب بالأحاديث الصحيحة المطلقة في الأمر بالجبهة من غير ذكر الأنف، وفي هذا الاستدلال ضعف، لأن روايات الأنف زيادة من ثقة، ولا منافاة بينهما»،

ونقل ابن التركماني في الجوهر النقي (2/ 155) قول أبي علي النيسابوري في زيادة (وإذا قرأ فأنصتوا): «خالف جرير عن التيمي أصحاب قتادة كلهم»، ثم قال - أي: ابن التركماني -: «ولا نسلم أنه خالفهم، بل زاد عليهم، وزيادة الثقة مقبولة»،

وقال ابن حجر في النزهة: «وزيادة راويهما - أي: الصحيح والحسن - مقبولة، ما لم تقع منافية لرواية من هو أوثق، ممن لم يذكر تلك الزيادة، لأن الزيادة:

إما أن تكون لا تنافي بينها وبين رواية من لم يذكرها، فهذه تقبل مطلقًا؛ لأنها في حكم الحديث المستقل الذي ينفرد به الثقة ولا يرويه عن شيخه غيره،

وإما أن تكون منافية، بحيث يلزم من قبولها رد الرواية الأخرى، فهذه التي يقع الترجيح بينها وبين معارضها، فيقبل الراجح ويرد المرجوح»،

وقال الشوكاني في نيل الأوطار (1/ 667): « ... والزيادة إنما تقبل مع عدم منافاة الأصل، فيُصار حينئذ إلى التعارض ... »، بل ذهب الشوكاني إلى أبعد من ذلك، فادعى الإجماع على اشتراط المنافاة!!

قال في النيل (4/ 140): « ... ومما يؤيد الرفع في حديث ابن عمر - أعني: قوله: " وإلا فقد عتق عليه ما عتق " -: أن الذي رفعه مالك، وهو أحفظ لحديث نافع من أيوب، وقد تابعه عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب - كما قال البيهقي -، ولا شك أن الرفع زيادة معتبرة لا يليق إهمالها - كما تقرر في الأصول وعلم الاصطلاح -، وما ذهب إليه بعض أهل الحديث من الإعلال لطريق الرفع بالوقف في طريق أخرى لا ينبغي التعويل عليه، وليس له مستند، ولا سيما بعد الإجماع على قبول الزيادة التي لم تقع منافية مع تعدد مجالس السماع ... ».

والذي ذكر أنه لا ينبغي التعويل عليه، وليس له مستند= هو لبُّ علم العلل، وهو منهج أئمة الحديث النقاد الحفاظ، وذلك أظهر من الشمس في رابعة النهار، والله المستعان!

وقد تابعهم في هذا المنهج كثير من المعاصرين، ومن ذلك:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير