تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

«قال النيموي في آثار السنن - بعد ذكر حديث هلب الطائي -: (رواه أحمد، وإسناده حسن، لكن قوله: " على صدره " غير محفوظ)، يعني أنه شاذ، وبيّن وجه كونه شاذًّا غير محفوظ: أن يحيى بن سعيد القطان خالف في زيادة قوله: " على صدره " غير واحد من أصحاب سفيان وسماك، فإنهم لم يذكروا هذه الزيادات، وعرف الشاذ بأنه ما رواه الثقة مخالفًا في نوع من الصفات لما رواه جماعة من الثقات أو من هو أوثق منه وأحفظ، وأعمّ من أن تكون المخالفة منافية للرواية الأخرى أم لا، وادّعى أن هذا هو مذهب الشافعي وأحمد بن حنبل وابن معين والبخاري وغيرهم من المحدثين المتقدمين، واستدل عليه بأن هذا يُفهم من صنيعهم في زيادة: " ثم لا يعود " في حديث ابن مسعود، و " فصاعدًا " في حديث عبادة، و " إذا قرأ فانصتوا " في حديث أبي هريرة وأبي موسى الأشعري، وكذلك في كثير من المواضع، حيث جعلوا الزيادات شاذة، بزعمهم أن راويها قد تفرد بها، مع أن هذه الزيادات غير منافية لأصل الحديث.

قلت: تعريف الشاذ هذا الذي ذكره صاحب آثار السنن ليس بصحيح، وليس هو مذهب المحدثين المتقدمين البتة. وجه عدم صحته: أنه يلزم منه أن يكون كل زيادة زادها ثقة ولم يزدها جماعة من الثقات أو لم يزدها من هو أوثق منه وليست منافية لأصل الحديث= شاذة غير مقبولة، واللازم باطل فالملزوم مثله.

والدليل على بطلان اللازم: أن كل زيادة هذا شأنها قبلها المحدثون المتقدمون، كالشافعي والبخاري وغيرهما، وكذا قبلها المتأخرون، إلا أن ظهرت لهم قرينة تدل على أنها وهم من بعض الرواة، فحينئذ لا يقبلونها».

وكلامه هذا غير مستقيم، فإن من أهم القرائن التي استعملها الأئمة في رد زيادات الثقات: مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه، وهذه القرينة كأقوى ما يكون في الدلالة على أن الزيادة وهم من الراوي، والنصوص وتصرفات الأئمة تفيض بمثل ذلك، والمخالفة حاصلة بأن ثقةً زاد زيادةً، ولم يزدها أكثر منه أو أوثق، وهذا ظاهر في نصوص الأئمة فيما سبق ويأتي.

فقوله أولاً: «كل زيادة هذا شأنها قبلها المحدثون المتقدمون، كالشافعي والبخاري وغيرهما» ويقصد بقوله: «هذا شأنها»: الزيادة التي زادها ثقة ولم يزدها الأوثق منه وليست منافية= يناقض قوله في الآخر: «إلا أن ظهرت لهم قرينة تدل على أنها وهم من بعض الرواة، فحينئذ لا يقبلونها»؛ لما سبق من أن كون الأوثق لم يزدها هي القرينة الدالة على أنها وهم ممن لم يزدها، والشافعي والبخاري وغيرهما من المحدثين المتقدمين لا يقبلون الأوهام!

قال المباركفوري:

«ألا ترى أن الإمام البخاري - رحمه الله - قد أدخل في صحيحه من الأحاديث ما تفرد به بعض الرواة بزيادة فيه غير منافية ولم يزدها جماعة من الثقات أو من هو أوثق منه وأحفظ، وقد طعن بعض المحدثين بإدخال مثل هذه الأحاديث في صحيحه، ظنًّا منهم أن مثل هذه الزيادات ليست بصحيحة، وقد أجاب المحققون عن هذا الطعن بأن مثل هذه الزيادات صحيحة: قال الحافظ في مقدمة الفتح: " فالأحاديث التي انتقدت عليهما أي البخاري ومسلم تنقسم أقسامًا ... "، ثم بيّن الحافظ والقسم الأول والثاني، ثم قال: " القسم الثالث منها: ما تفرد به بعض الرواة بزيادة فيه دون من هو أكثر عددًا أو أضبط ممن لم يذكرها، فهذا لا يؤثر التعليل به، إلا إن كانت الزيادة منافية بحيث يتعذر الجمع، أما إذا كانت الزيادة لا منافاة فيها بحيث يكون كالحديث المستقل فلا، اللهم إلا إن وضح بالدلائل القوية أن تلك الزيادة مدرجة في المتن من كلام بعض رواته، فما كان من هذا القسم فهو مؤثر، كما في الحديث الرابع والثلاثين " انتهى. وأيضًا: قال الحافظ فيها: " قال الدارقطني: أخرج البخاري حديث أبي غسان عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: نظر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى رجل يقاتل المشركين، فقال: " هو من أهل النار ... " الحديث، وفيه: " إن العبد ليعمل فيما يرى الناس عمل أهل الجنة، وإنه لمن أهل النار، ويعمل فيما يرى الناس عمل أهل النار، وهو من أهل الجنة، وإنما الأعمال بالخواتيم قال: وقد رواه ابن أبي حازم ويعقوب بن عبد الرحمن وسعيد الجمحي عن أبي حازم فلم يقولوا في آخره: " وإنما الأعمال بالخواتيم ". قال الحافظ: " زادها أبو غسان، وهو ثقة حافظ، فاعتمده البخاري " انتهى».

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير