تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كلام ابن حجر الذي نقله المباركفوري موافق لمذاهب المتأخرين، وهو اجتهاد منه - رحمه الله - في تفسير صنيع البخاري قد لا يوافق عليه.

ويمكن أن يجاب عن المثال الذي ذكره المباركفوري بأمرين:

الأول: أن النظر في المنافاة وعدمها عند المتأخرين شرطٌ يتبع مقدمةً لا بد من تحققها، وهي أن تكون الزيادة محتملة الرد، بسبب كون الزائد مخالَفًا من أوثق أو أكثر.

وبيان ذلك:

أن المتأخرين نظروا إلى انفراد الثقة بالزيادة دون الأوثق أو الأكثر، فجعلوا هذا يفضي إلى احتمال رد الزيادة، دون أن يستقل بذلك، ثم نظروا إلى المنافاة، فإن نافت الزيادة أصل الحديث؛ قوي احتمال الرد، فردوها، وإن لم تنافِ؛ بقي الأمر على الاحتمال، فقوّوا جانب الثقة، وقبلوا الزيادة.

فلا يصح النظر في المنافاة عند المتأخرين إلا بعد تحقق المقدمة الأولى.

ولعل المقدمة لم تتحقق عند البخاري في هذه الزيادة حتى ننظر في كونه نظر إلى المنافاة أو لا، فربما كان يصحح الزيادة لا لعدم المنافاة، إنما لأن راويها حافظ إمام، ولا يضيره أن يقصر غيره ممن هو دونه في الحفظ والثقة بالزيادة، فلا يذكرها.

الأمر الثاني: أن اعتماد مذهب البخاري بمثال أو مثالين مهيع خاطئ مجانب للصواب، فإنه قد نُسب إلى البخاري بهذه الطريقة أنه يقبل زيادة الثقة مطلقًا!

قال ابن رجب في شرح العلل (2/ 638): «وذكر - أي الخطيب - في الكفاية حكايةً عن البخاري: أنه سئل عن حديث أبي إسحاق في النكاح بلا ولي؟ قال: " الزيادة من الثقة مقبولة، وإسرائيل ثقة ". وهذه الحكاية - إن صحت - فإنما مراده الزيادة في هذا الحديث، وإلا فمن تأمل كتاب تاريخ البخاري تبين له قطعًا أنه لم يكن يرى أن زيادة كل ثقة في الإسناد مقبولة».

فمناهج العلماء لا يُعتمد فيها على نصٍّ أو نصّين مقتطعين من وفرة نصوص، وفي ما اقتُطع احتمال أيضًا!

والبخاري لم يشترط المنافاة في نصوص أخرى، وكلامه فيها واضح، ويأتي طرف منها.

ويُنبّه إلى أن البخاري قد أخرج روايتين مما أشار إليه الدارقطني؛ مما ليس فيه زيادة: " الأعمال بالخواتيم " = في صحيحه (2898، 4202، 4207).

والحق أن هذه الزيادة تصلح مثالاً لكون الأئمة لا يشترطون عدم المنافاة لرد الزيادة من الثقة، ذلك أن مسلمًا أخرج الحديث في كتاب الإيمان، باب " غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه ... " (112) وفي كتاب القدر " باب كيفية الخلق الآدمي في بطن أمه ... " = من رواية يعقوب بن عبد الرحمن، وهو ثقة، وتنكب عن رواية أبي غسان مع أنه أوثق من يعقوب بمراحل، وكأنها إشارة منه إلى إعلال هذه الرواية، لذا قال الدارقطني بعد أن ذكر رواية البخاري: " وأخرجه مسلم من حديث يعقوب فقط ".

كما أعلّها الدارقطني في التتبع (ص201) - وقد نقله الحافظ - والأفراد - كما في أطرافه (2164) -.

وأما البخاري، ففي النفس شيء من اعتماد أنه يصحح الزيادة، وإن صح عنه فهو اختلاف نظر بين المتقدمين، والجاري على القاعدة تصرف مسلم والدارقطني، والله أعلم.

وحتى لو صح أن البخاري يصححها، فمثالٌ واحد لتصرُّفٍ من البخاري في حديثٍ= لا يكفي البتة في إثبات منهجٍ لعامة أئمة الحديث المتقدمين تدلُّ أقوالهم وتصرفاتهم على خلافه.

قال المباركفوري:

«وقد صرح بقبول مثل هذه الزيادة ابن التركماني في الجوهر النقي والحافظ الزيلعي في نصب الراية في مواضع عديدة، بل أشار النيموي نفسه في كتابه آثار السنن أيضًا بقبول مثل هذه الزيادة في موضع منه، حيث قال: " فزيادته - أي: زيادة الحميدي - تقبل جدًّا، لأنها ليست منافية لمن هو أوثق منه " انتهى.

فلما ظهر بطلان اللازم ثبت بطلان الملزوم، أعني بطلان تعريف الشاذ الذي ذكره صاحب آثار السنن من عند نفسه.

فإن قلت: فما تعريف الشاذ الذي عليه المحققون؟

قلت: قال الحافظ بن حجر في مقدمة فتح الباري: " وأما المخالفة وينشأ عنها الشذوذ والنكارة، فإذا روى الضابط أو الصدوق شيئًا، فرواه من هو أحفظ منه أو أكثر عددًا بخلاف ما روى، بحيث يتعذر الجمع على قواعد المحدثين، فهذا شاذ " انتهى.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير