تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والذي أريد قوله: إنّ إطلاق العبارات النقدية أمر نسبي، يطلقها المجرّح نتيجة لقرائن بدت له، ومن مجموعها أصدر هذا الحكم، وهذه الألفاظ وصفية، أي ليست مرتبة حديثية مستقلة، أطلقها النقاد على تفردات الرواة بما لم يحفظ عندهم، ولما كان الوهم والخطأ من فطرة البشر، فهو أيضاً يشمل رواة الأحاديث، بل من النادر أنك تجد راوياً سلم من الوهم، حتى جهابذة العلل، يقول عبد الرحمن بن أبي حاتم: " سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه شعبة عن منصور عن الفيض بن أبي حثمة عن أبي ذر أنه كان إذا خرج من الخلاء قال: " الحمد لله الذي عافاني واذهب عني الأذى فقال أبو زرعة: وهم شعبة في هذا الحديث ورواه الثوري فقال:عن منصور عن أبي علي عبيد بن علي عن أبي ذر وهذا الصحيح وكان أكثر وهم شعبة في أسماء الرجال، وقال أبي:كذا قال سفيان، وكذا قال شعبة، والله أعلم أيهما الصحيح، والثوري أحفظ وشعبة ربما أخطأ في أسماء الرجال ولا يدري هذا منه أم لا؟ " ([38] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/editpost.php?do=editpost&postid=565260#_ftn38)).

فهذا أمير المؤمنين في الحديث قد يهم! فما بالك بغيره؟ وهذا الوهم نسبي لا يقاس أمام حفظ وإتقان وضبط شعبة بن الحجاج (أمير المؤمنين في الحديث)، وحسبه شرفا أن تحسب الأحاديث التي أخطأ بها، وهي قد لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة!

فالراوي كلما وافقت روايته رواية الثقات، ولم تكد تخالف كان إلى الضبط أقرب، وكلما جاءك بالغرائب، والمنفردات كان إلى الوهم أقرب، وأطلق عليه: " يروي الغرائب، له غرائب، …"، وهذه الغرائب مذمومة عند السلف،قال إبراهيم النخعي:" كانوا يكرهون الغريب من الحديث" ([39] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/editpost.php?do=editpost&postid=565260#_ftn39)) ، وقال الإمام مالك بن أنس:"شر العلم الغريب، وخير العلم الظاهر الذي قد رواه الناس " ([40] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/editpost.php?do=editpost&postid=565260#_ftn40)) ، وقال عبد الرزاق:" كنا نرى أن غريب الحديث خير فإذا هو شر " ([41] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/editpost.php?do=editpost&postid=565260#_ftn41)).

ثانياً: عند المتأخرين:

وأمّا منهج أئمة الحديث من المتأخرين في النقد فإنه نحا منحىً آخر بدأ بابي عبد الله الحاكم إذ فرّق بين السند والمتن، فكان نقطة تحول في علم الحديث ويتضح منهجه في ذلك في حكمه على أحاديث كثيرة أنها صحيحة الإسناد، وكان لا بد أن يخرجها صاحبا الصحيحين، البخاري ومسلم، فقال مرات لا تحصى: " صحيح على شرطيهما ولم يخرجاه "، " صحيح الإسناد على شرطيهما ولم يخرجاه "، " إسناده صحيح على شرط البخاري ولم يخرجه "، " صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجه "، وهكذا.

فجعل صحة الإسناد شرطاً لقبول الحديث، متغاضياً عن صحة المتن فأدخل متون منكرة، ومعلولة، ظاهر إسانيدها صحيحة ([42] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/editpost.php?do=editpost&postid=565260#_ftn42)). وهكذا بدأ علم الحديث يأخذ منحىً جديداً يختلف عمّا كان عليه قبل الحاكم النيسابوري.

يقول الإمام الذهبي ً في معرض الكلام عن عنعنة المدلس:"وهذا في زماننا يعسر نقده على المحدث، فإن أولئك الأئمة كالبخاري وأبي حاتم وأبي داود، عاينوا الأصول، وعرفوا عللها،وأما نحن فطالت علينا الأسانيد،وفقدت العبارات المتيقنة، وبمثل هذاونحوه دخل الدّخل على الحاكم في تصرفه في المستدرك " ([43] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/editpost.php?do=editpost&postid=565260#_ftn43)).

ولما شرع المتأخرون بكتابة مصطلح الحديث -وهذا أمر طبيعي، إذ هو تلبية لحاجة طلبة العلم لمصطلح نظري ييسر لهم ولوج علم الحديث، خاصة بعد ضعفه في تلك الأزمان كما بينه العلماء في ذلك الوقت فوضعت كتب المصطلح- أصبح النقد عندهم قائماً على الإسناد، في الأعم الأغلب واصبح من وثقه المتقدمون صُحَحَ حديثه، ومن ضعفه المتقدمون ضُِعفَ حديثه، ومن تركه المتقدمون حكموا على حديثه بالضعف الشديد، مع عدم إدراكهم دائماً لمسألة الانتقاء.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير