ـ[سعيد بن محمد المري]ــــــــ[08 - 04 - 07, 11:01 م]ـ
المطلب الثاني: معنى التدليس وصوره
من المعلوم أن التدليس عند أهل الاصطلاح قسمان مشهوران، أحدهما تدليس الإسناد، والآخر تدليس الشيوخ، ولكل واحد منهما تعريف يختص به، إلا أن ما يهمنا هنا هو الأول، أعني تدليس الإسناد، والمتتبع لكتب أهل العلم من أهل الاصطلاح يجد عندهم لهذا النوع من التدليس تعريفين مشهورين، يمكن من خلالهما معرفة صور التدليس، والتعريفان هما؛
التعريف الأول لتدليس الإسناد
هو: "أن يروي الراوي عمن سمع منه، أو لَقِيَهُ، أو عاصره، ما لم يسمعه منه، موهماً أنه سمعه منه".
هذا التعريف هو الذي عليه أكثر أهل الاصطلاح، إلا أن بعضهم يعبر باللقاء، وبعضهم يعبر بالسماع، ولو اكتفى أصحاب هذا التعريف بمجرد ذكر المعاصرة لكان ذلك دالاً على مرادهم مع الاختصار، إلا أن القصد من التنصيص على اللقاء أو السماع إنما هو زيادة التوضيح.
وأصحاب هذا التعريف - في الحقيقة - مقتفون فيه أَثَرَ الخطيب البغدادي، حيث قال في أول الكفاية في باب (معرفة ما يستعمل أصحاب الحديث من العبارات في صفة الأخبار):
"والْمُدَلَّسُ: رواية المحدث عمن عاصره ولم يلقه، فيتوهم أنه سمع منه، أو روايته عمن قد لقيه ما لم يسمعه منه، هذا هو التدليس في الإسناد" [1]، ونحوه قول ابن الصلاح: "تدليس الإسناد، وهو أن يروي عمن لقيه ما لم يسمع منه، موهماً أنه سمع منه، أو عمن عاصره ولم يلقه، موهما أنه قد لقيه، وسمعه منه" [2].
وقد تتابع أهل الاصطلاح بعد الخطيب وابن الصلاح على هذا التعريف [3]، حتى عده العراقي التعريف المشهور عند أهل الحديث، حيث قال في التقييد والإيضاح بعد أن ذكر تعريف ابن الصلاح: "وما ذكره المصنف في حد التدليس هو المشهور بين أهل الحديث" [4].
دلالة التعريف
أولاً: دلالة الشق الأول من التعريف، وهو قوله: (المدلس رواية المحدث عمن عاصره ولم يلقه، فيتوهم أنه سمع منه)
يتبين من هذا الشق من التعريف دخول الصورة الثانية - وهي رواية المعاصر غير الملاقي - في مسمى التدليس، سواء علمنا أنه لم يلق من عاصره أم لم نعلم، ما دام أنه لم يلقه في حقيقة الأمر، فيدخل في ذلك من ثبت عندنا عدم لقائه لمن عاصره، ومن لم يثبت عندنا لقاؤه ولا عدم لقائه من باب الأولى.
وأما الصورة الأولى وهي رواية غير المعاصر، أو من ثبتت عدم معاصرته، فليست داخلة في مسمى التدليس على هذا التعريف، إذ لا إيهام فيها، ولذلك لم يعد عامة أهل العلم بالحديث رواية ابن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا رواية مالك عن ابن المسيب [5]، ولا رواية الثوري عن النخعي [6]، وأمثال ذلك من قبيل التدليس، لانتفاء المعاصرة.
وكذا رواية من لم تثبت معاصرته أصلاً، كروايات المجهولين، فليست معاصرتهم معلومة الثبوت ولا معلومة الانتفاء، ومثل هؤلاء لا يمكن الحكم على رواياتهم بالتدليس، لعدم العلم بالإيهام أصلاً، إذ لا يعلم عن حالهم أكثر من وجودهم في الإسناد، ولكن الخشية من الانقطاع واردة، ومن ثم كان بعض أهل العلم يعلل روايات أمثالهم بعدم العلم بالسماع.
ثانياً: دلالة الشق الثاني من التعريف، وهو قوله: (أو روايته عمن قد لقيه ما لم يسمعه منه)
وهذا الشق من التعريف يثبت دخول الصورة الثالثة وهي رواية المعاصر الملاقي لما لم يسمعه، فيدخل في مسمى التدليس بحسب هذا الشق من التعريف الانقطاع بين راويين قد علم بينهما ما هو أخص من المعاصرة وهو اللقاء أو السماع.
وقول الخطيب هذا يحتمل أمرين؛
الأول: ثبوت مجرد اللقاء وانتفاء السماع في حقيقة الأمر، والثاني: ثبوت السماع وعدم سماع ما دلسه المدلس في حقيقة الأمر، فقوله (عمن لقيه) أي سواء علمنا أنه سمع منه أم لم نعلم، ما دام أنه لم يسمع منه ما رواه في حقيقة الأمر.
الخلاصة
ويستخلص مما سبق، أن التدليس يدخل في مسماه على هذا التعريف صورتان؛ إحداهما: رواية المعاصر غير الملاقي، والأخرى رواية المعاصر الملاقي، وأما رواية غير المعاصر فلا تدخل في مسمى التدليس بحسب هذا التعريف.
التعريف الثاني لتدليس الإسناد
هو: "أن يروي الراوي عمن لقيه ما لم يسمعه منه موهما أنه سمعه منه".
¥