تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهذا القول في الحقيقة ليس دليلاً على أن البزار يشترط اللقاء في تسمية التدليس تدليساً، لأنه كلام محتمل، وحمل الكلام المحتمل على موافقة أهل العلم أولى من حمله على مخالفتهم.

والجواب عن العبارة التي ظاهرها اشتراط السماع على فرض صحة هذا القول عن البزار كالجواب على ابن عبد البر الأخير، وهو أن البزار لم يرد بقوله (يروي عمن قد سمع منه) وجود التصريح بالسماع، وإنما أراد ما يدل ظاهره على السماع، سواء كان ذلك بصيغة التحديث أو بصيغة العنعنة، وهو احتمال قائم بدليل ثبوته في كلام ابن عبد البر المتقدم، وهو نظير كلام البزار.

هذا على فرض صحة هذا اللفظ عن البزار، وإلا فإني لست على يقين من أن ما نقله العراقي هو لفظ الحافظ البزار، فإنه لم يتيسر لي التحقق من ذلك، لأن الجزء المذكور لم أجد لذكره أثراً عند غير العراقي والزركشي، ولا أراه إلا مفقوداً، فإن الحافظ ابن حجر على كثرة ما توفر لديه من الكتب قد نقل قول ابن القطان من كتابه، حيث قال الحافظ: "وقد ذكر ابن القطان في أواخر البيان له تعريف التدليس بعبارة غير معترضة"، ثم ذكر قوله مطولاً، بينما لم ينقل الحافظ قول البزار، وإنما أحال في ذلك على شيخه العراقي [2].

وإنما قلت بأني لست على يقين من صحة هذا النقل عن البزار، لأني أشك في وقوف العراقي نفسه على ذلك الجزء، وذلك لثلاثة أسباب؛

1 - السبب الأول: أن الحافظ ابن حجر لم يقف على ذلك الجزء، لكونه لم ينقل لفظ البزار، وإنما أحال على ذكر شيخه له، ومن البعيد أن يقف شيخه العراقي على جزء حديثي بهذه المنزلة ولا يتيسر للحافظ نقل لفظ البزار من ذلك الجزء بعينه، مع أنه نقل قول ابن القطان من كتابه بلفظه.

2 - السبب الثاني: أن بدر الدين الزركشي قد نقل في نكته على مقدمة ابن الصلاح هذا القول عن البزار وابن القطان أيضاً، وبدر الدين الزركشي متقدم على الحافظ العراقي إلا أنه حين نقل ما نقله عنهما قدم الحكاية عن ابن القطان أولاً ثم قال: "وكذلك قال الحافظ أبو بكر البزار صاحب المسند في جزء له في معرفة من يترك حديثه أو يقبل" [3]، فحكاية الزركشي لهذا القول عن ابن القطان أولاً مع تأخره ثم عطفه للبزار عليه تدل على أن اللفظ المنقول لفظ ابن القطان وليس هو لفظ البزار.

3 - السبب الثالث: أن اللفظ الذي نقله العراقي وعزاه للبزار أولاً هو بعينه لفظ ابن القطان في كتاب الوهم والإيهام، فقد قال ابن القطان: "التدليس، ونعني به أن يروي المحدث عمن قد سمع منه، ما لم يسمع منه، من غير أن يذكر أنه سمعه منه" [4].

فكأن الحافظ العراقي قد استفاد هذا العزو إلى البزار وابن القطان من بدر الدين الزركشي، إلا أنه تصرف فيه، بتقديم ذكر البزار على ابن القطان، وذلك مراعاة منه لقدم البزار وإمامته في هذا الشأن، فكان في هذا التصرف منه إيهام كون اللفظ المنقول هو لفظ الحافظ البزار، وليس هو كذلك بل اللفظ لفظ ابن القطان، وأما البزار فقد يكون لفظه موافقاً للفظ ابن القطان وقد يكون غير ذلك.

نعم قد يقال بأن لفظ البزار ينبغي أن يكون موافقاً للفظ ابن القطان في المعنى لما ينبغي أن نكون عليه من تحسين الظن بمعرفة الأئمة الناقلين لهذين القولين بتباين الألفاظ وتوافقها في ذلك، غير أن هذا القول من تحسين الظن بنقل العلماء وإن كان سمة مطلوبة عند التحقيق إلا أنه قد يوجد من الدواعي ما ينبغي معه ترك تحسين الظن والتدقيق في النقول.

لاسيما والزركشي حين نقل تعريف ابن الصلاح فسر ذلك التعريف بأن جعل الملاقاة من شرط التدليس، وأن الرواية مع عدمها من قبيل الإرسال، مع أن تعريف ابن الصلاح ليس فيه اشتراط الملاقاة، قال الزركشي: "قوله: (وهو أن يروي عمن لقيه إلى آخره) أي شرط التدليس أن يكون المدلس قد لقي المروي عنه، ولم يسمع منه ذلك الحديث الذي دلسه عنه ... أما إذا روى عمن لم يدركه بلفظ موهم فليس بتدليس على الصحيح المشهور بل هو من قبيل الإرسال كما سبق في بابه عن حكاية الخطيب" [5].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير