تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

2 - الأمر الثاني: أنه ثبت كما تقدم كون التدليس والإرسال عند الخطيب مشتركين في بعض الصور، وهذا لا يقتضي أنهما عنده بمعنى واحد، حتى يقال بأن الخطيب على هذا يفارق بين التدليس والتدليس، لإمكان وجود فارق بينهما مع الاشتراك في الصور، وسيأتي بيانه، إلا أن المهم في هذه النقطة هو كون الخطيب يعتبر التدليس والإرسال مشتركين في بعض الصور، بينما كلام الشريف هنا يقتضي أنهما غير مشتركين في أي من الصور، وليس ثمة إلا تدليس مختص بصور معينه وإرسال جلي مختص بصورة غيرها.

3 - أن الخطيب نص صراحة على أن تدليس المدلس وهو ما يشمل رواية المعاصر عمن سمع منه وعمن لم يسمع منه يكون إرسالاً بمجرد بيان الراوي أنه لم يسمعه ممن رواه عنه، فبمجرد بيان الراوي أنه لم يسمع الحديث يكون ببيانه ذلك مرسلاً للحديث غير مدلس فيه.

ولا شك أن صورة هذا الإرسال ليست هي صورة الإرسال الجلي، بل هو إرسال يشترك مع التدليس في الصورة، فليست الصورة هي الفارقة، وليست هي سبب نفي الإيهام عن ذلك الإرسال، وهو ما يخالفه كلام الشريف العوني.

4 - أن الخطيب علق التفريق بين التدليس والإرسال على مسألة الإيهام، لا على اختلاف الصور بينهما، فالإيهام هو الأصل، والصور تابعة له، لا العكس، وأما الشريف العوني فقد جعل مسألة الإيهام تابعة للصور، فعنده إذا كانت الرواية بطبيعتها موهمة لوجود المعاصرة كانت تدليساً لا إرسالاً، وإذا كانت الرواية غير موهمة لعدم المعاصرة كانت إرسالاً لا تدليساً، فالفرق الحقيقي عنده هو اختلاف الصور بينهما.

والحقيقة أن الإيهام وإن كان غير موجود عند انتفاء المعاصرة إلا أنه لا يلزم من ذلك وجوده عند وجود المعاصرة، فقد تكون المعاصرة موجودة ولا يوجد إيهام، كرواية من اشتهر عند عوام المحدثين أنه لم يسمع من فلان وقد عاصره، فروايته مع تلك الشهرة عمن عاصره لا إيهام فيها، بل قد يكون اللقاء موجوداً ولا يكون في الرواية المنقطعة إيهام، كأن يصرح الراوي بأنه لم يسمع من شيخه إلا عدداً معيناً، فتكون روايته عند طلابه بعد ذلك غير موهمة، أو كأن يبين في رواية معينة بأنه لم يسمعها من شيخه كما ذكر الخطيب.

وعليه فليس تخصيص التدليس بصور والإرسال بأخرى هو الفارق بين التدليس والإرسال لاشتراكهما في بعض الصور، ولعدم وجود التلازم بين صور التدليس والإيهام كما تقدم، ومن ثم فإن مفهوم المخالفة الذي فهمه الشريف العوني من قول الخطيب (لأن الإرسال للحديث ليس بإيهام من المرسل كونه سامعا ممن لم يسمع منه، وملاقياً لمن لم يلقه) ليس بلازم، لأنه فهم من قول الخطيب هذا بأنه يتحدث عن الإرسال الجلي الذي لا يوهم السماع ممن لم يسمع منه ولم يلقه، وأن السبب في عدم وجود الإيهام في هذا الإرسال هو عدم وجود المعاصرة.

والحقيقة أن هذا الفهم ليس بصواب لأنه مبني على كون صورة رواية المعاصر الملاقي وغير الملاقي موهمة دائماً، وقد تقدم أنه لا تلازم بين الإيهام وصور التدليس، وعليه فإن السبب في عدم وجود الإيهام من المرسل ليس لكون الإرسال المقصود هو الجلي، بل لوجود القرائن الدالة على عدم وجود الإيهام في صور الإرسال التي يفرق الخطيب بينها وبين التدليس.

ويؤيد هذا أن الخطيب عند ذكره لكون الإرسال لا يقتضي الإيهام جعله لا يقتضيه في صورتين لا صورة واحدة، الصورة الأولى ما ذكرها بقوله: (ليس بإيهام من المرسل كونه سامعا ممن لم يسمع منه) وهذه الصورة هي صورة رواية المعاصر الملاقي، فنفى كونها تقتضي الإيهام عن المرسل ولم ينفه عن المدلس، والصورة الثانية ما ذكرها بقوله: (ليس بإيهام من المرسل كونه ... ملاقياً لمن لم يلقه) وهذه الصورة هي صورة رواية المعاصر غير الملاقي، وقد نفى كونها تقتضي الإيهام عن المرسل ولم ينفه عن المدلس، وهذا النفي ليس لكون المقصود بالإرسال هنا الإرسال الجلي الظاهر، لأنه لو كان ذلك كذلك لاكتفى بذكر صورة واحدة، ولما حسن جعل المنفي عن الإرسال صورتين، وهما رواية المعاصر الملاقي، ورواية المعاصر غير الملاقي.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير