تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والجواب عن هذا الاستدلال هو أن يقال بأن وصف أهل العلم لرواية المخضرمين عن النبي صلى الله عليه وسلم بالإرسال دون التدليس لا يلزم منه أن يكون سبب ذلك كون صورة روايته صورة إرسالٍ، لما تقدم من أن الإرسال والتدليس يشتركان في بعض الصور ومنها صورة رواية المعاصر عمن لم يلقه أو لم يثبت لقاؤه له، وقد تقدم أن العمدة في معرفة الفرق بين التدليس والإرسال هو إيهام الراوي السماع وعدم إيهامه له.

ومن ثم فإن هناك احتمالاً آخر لعدم وصف رواية المخضرمين بالتدليس، بل هو السبب الحقيقي لعدم وصف روايتهم بالتدليس، وذلك بأن يكون الإيهام غير مقصود للمخضرم إما لوضوح الانقطاع في حالة من علم عدم لقائه، وإما لما اشتهر من أن القدماء لم يكونوا يعرفون التدليس ولا يقصدونه، وإنما يرسلون الأخبار إرسالاً لعدم العناية بالإسناد آنذاك.

وقد قال الشافعي: "ولم نعرف بالتدليس ببلدنا فيمن مضى ولا من أدركنا من أصحابنا إلا حديثاً" [5]، فقوله (إلا حديثاً) دليل على أن التدليس لم يكن معروفاً ببلده الحجاز في العصر القديم، ولا شك أن المخضرمين معدودين من أهل العصر القديم.

3 - أن إدخال المعاصرة ولو بغير لقي في تعريف التدليس يلزم منه إدخال المرسل الخفي في تعريفه ذلك [6].

والجواب على هذا أن الحافظ لم ير وجها للتفريق بين الإرسال والتدليس إلا بإثبات اختصاص كل منهما بصور غير صور الآخر، والحقيقة أنهما مشتركان في الصور، وهما مع ذلك مفترقان في اقتضاء أحدهما الإيهام دون الآخر، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك، وسيأتي مزيد بيان له إن شاء الله تبارك وتعالى.

وخلاصة ما حققه الحافظ ابن حجر هو أن كلاً من التدليس والإرسال يختص بشيء دون الآخر، فالتدليس مختص برواية المعاصر الملاقي دون غيره، والإرسال مختص برواية غير الملاقي، سواء كان معاصراً أم لا، فإن كان معاصراً فهو الإرسال الخفي، وإلا كان هو الإرسال الجلي.


[1] بيان الوهم والإيهام 5/ 493.

[2] انظر النكت على كتاب ابن الصلاح لابن حجر (2/ 623).

[3] المصدر السابق.

[4] النكت لابن حجر (2/ 623).

[5] الرسالة ص (378).

[6] انظر شرح النخبة مع شرح الملا علي ص (425).

ـ[سعيد بن محمد المري]ــــــــ[14 - 04 - 07, 10:23 م]ـ
المطلب الثالث: قول الشريف العوني

في التفريق بين التدليس والإرسال

من المعلوم أن عامة من جاء بعد الحافظ أو أكثرهم قد تابعوه على ما قاله من التفريق بين التدليس والإرسال، ومنهم من ذكر قول الحافظ، ومخالفته لابن الصلاح وغيره في ذلك، دون أن ينتقد أيٍّ من القولين، إلى أن جاء الشريف حاتم بن عارف العوني - حفظه الله -، فانتقد الحافظ في تزعمه لهذا التفريق، وأنه خلاف ما عليه أهل العلم بالحديث قديما وحديثاً ممن تقدم على عصر الحافظ ابن حجر، وذكر الشريف العوني أن ما يسميه الحافظ إرسالاً خفياً هو في الحقيقة تدليس، ودلل على ذلك بأدلة كثيرة، بل وزعم أن ذلك هو قول جميع أهل العلم، وأجاب عما يمكن أن يكون مؤيداً للتفريق بينهما.

قال العوني في آخر الفصل الثاني من الباب الأول من كتابه المرسل الخفي: "وخلصنا من هذا العرض الواسع إلى أن (الإرسال الخفي) كل انقطاع خفي، وإلى أن (الإرسال الخفي) ليس من مصطلحات الحديث عند أهل الاصطلاح، وعليه فقد خلصنا إلى أهم ما في هذا الباب، وهو أن التدليس يشمل: (رواية الراوي عمن عاصره ولم يلقه) وأن ادعاء أنها ليست من التدليس خطأ محض" [1].

وقال في كتاب الإجماع: "رواية الراوي عمن عاصره ولم يلقه تدليس، وفاعل ذلك مدلس. هذا ما كان عليه جميع أهل العلم، متقدمهم ومتأخرهم، كما ستراه في كتابي المذكور. إلى أن خالفهم في ذلك كله الحافظ ابن حجر، وعامة من جاء بعده" [2].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير