المسألة. بل إن الشهيد الثاني وهو من علماء الشيعة المبرزين في علم الحديث، كلامه مناقض لما رواه الكوراني فيقول:" إن تدوين الحديث لم يكن شائعا بين المحدثين الشيعة،فلم تصلنا عن ابن عباس مثلا رغم كثرة رواياته إلا ما جمعه الفيروز آ بادي من رواياته في التفسير والتأويل، وظاهرة التدوين ظهرت أيام الإمام الباقر عليه السلام،ونمت أيام الإمام الصادق عليه السلام ". فأين هذا الكلام من مقتضى تلك الرواية التي ساقها الشيخ الكوراني والتي اتهم رواتها بالكذب
ثانيا: من شبهات عبد الحسين شرف الدين الموسوي
لقد حظي سيدنا عمر بن الخطاب بالحظ الأوفر من الطعون من قبل متطرفي الشيعة والنيل منه، فأصبح كل ما يبدر عنه موضع تهمة ونقد كبير، حتى لكأنه الصحابي الوحيد الذي روي عنه المنع من التدوين في فترة من فترات حياته تمشيا مع المصلحة الراجحة في ذلك الوقت. متناسين كل ما روي عنه من جواز التدوين،الأمر الذي يجعل أصابع الاتهام تتجه إليهم بالازدواجية في الرؤية وعدم الموضوعية في تناول المسائل المطروحة.
ومن هؤلاء الذين أسرفوا على أنفسهم في حق خليفة المسلمين وأمير المؤمنين عمر بن الخطاب،الشيخ عبد الحسين شرف الدين الموسوي فاستمع إليه وهو يتحدث عن عمر رضي الله عنه:"والأخبار متواترة في منعه الناس من تدوين العلم، وردعه إياهم عن جمع السنن والآثار،وربما حظر عليهم الحديث عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مطلقا، وحبس أعلامهم في المدينة الطيبة لكي لا يذيعوا الأحاديث في الآفاق".
ولا يخفى على كل ذي عقل حصيف أن عمر بن الخطاب لم يبق كبار الصحابة في المدينة إلا لما في اجتماعهم فيها من خير عظيم يعود نفعه للأمة،فلطالما جمع عمر رضي الله عنه الصحبة وهو يستشيرهم فيم يحزب من الأمور، أو يسألهم إن كان عندهم علم عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في مسألة بعينها.
إما بالنسبة لادعاء الموسوي من أن عمر رضي الله عنه كان يمنع الصحابة من الحديث عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فقد كفانا هو مئونة الرد عليه في نفس الكتاب الذي يتهم به عمر بذلك فقد جاء فيه ما يأتي:"عن عبد الرحمن بن عوف قال ما مات رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حتى بعث الى أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فجمعهم من الآفاق:عبد الله بن حذيفة وأبي الدرداء وأبي ذر وعقبة بن عامر، فقال ما هذه الأحاديث التي افشيتم عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قالوا: أتنهانا؟ قال: لا أقيموا عندي ولا تفارقوني ما عشت".
ثالثا: شبهة السيد حسين الصدر ومن وافقه
"ادعاء وقوع التحريف بسبب تطاول الأمد قبل التدوين"
يرى الشيخ حسين الصدر، والسيخ علي السيستاني إن نقطة الضعف الكبيرة التي لحقت بالحديث الشريف عند أهل السنة،هي تأخر التدوين الرسمي للحديث الى نهاية القرن الأول بمعنى بقاء مدة الرواية الشفوية مئة عام،وهذا في نظرهم علة تامة في وقوع التحريف المتعمد وغير المتعمد، يقول السيد علي السيستاني:"إن تدوين الحديث عند العامة قد تأخر عن عصر صاحب الرسالة بما يزيد على مئة عام، مما استتبع ذلك اتكاء رواياتهم على الحفظ في نقل الروايات، ومعلوم أن ذلك يفضي الى حالات كثيرة من إهمال خصوصيات الكلام، لان ذاكرة الرواة غير المعصومين لا تستوعب عادة جميع خصوصيات الرواية، وملابساتها، وهذه العلة لا توجد في رواياتنا،بالشكل الذي يوجد في روايات العامة، لان رواياتنا متلقاة عن أئمة أهل البيت".
وكذلك يرى السيد حسين الصدر في كتابه نهاية الدراية، فيقول:"فمن منعهما (أي ابو بكر وعمر رضي الله عنهما) تدوين الحديث،ومنعهما الإكثار من التحديث بالسنة،اضر بهذا التراث المقدس،واحدث فيه الثغرات العميقة،وعرضه للتحريف المقصود وغير المقصود،لان الاعتماد على حافظة الإنسان فقط دون تدوين،مع ضخامة هذا التراث وانتشاره مظنة لحصول مثل ذلك،ثم إن هناك حقائق تكوينية لا يمكن إنكارها، كتعرض الإنسان لضعف ملكة الحفظ والنسيان كلما تقدم به العمر، أو تعرض لضعف التركيز لقساوة الظروف المعاشة،أو لظروف الحرب الطويلة والمستمرة،إضافة الى وفاة الرجال،مما يعرض جمل من الأحاديث الى الانقراض،لا سيما التي تفردوا
¥