تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

زيادة الثقة في كتب أهل العلم على ثلاثة أقوال:

القول الأول: أنها تقبل مطلقا.

والقول الثاني: أنها ترد مطلقا.

والقول: الثالث التفصيل لا تقبل مطلقا ولا ترد مطلقا وهو مذهب الحافظ ابن حجر العسقلاني وغيره من أهل التحقيق وطول النفس في البحث.

وممن قال بأنها تقبل مطلقا من المتقدمين ابن حبان والحاكم وتابعه على ذلك أهل الفقه والأصول.

قال الحافط في النكت على ابن الصلاح محققا لهذه المسألة بحنكة بالغة:

وجزم ابن حبان والحاكم وغيرهما بقبول زيادة الثقة مطلقاً في سائر الأحوال سواء اتحد المجلس أو تعدد، سواء أكثر الساكتون أو تساووا. وهذا قول جماعة من أئمة الفقه والأصول، وجرى على هذا الشيخ محي الدين النووي في ((مصنفاته)).

وفيه نظر كثير، لأنه لا يرد عليهم الحديث الذي يتحد فيرويه جماعة من الحفاظ الأثبات على وجه

ويريه ثقة دونهم في الضبط والاتقان على وجه (يشتمل على زيادة) تخالف ما رووه إما في المتن وإما

في الإسناد، فكيف تقبل زيادته وقد خالفه من لا يغفل مثلهم عنها لحفظهم أو لكثرتهم، ولا سيما

إن كان شيخهم ممن يجمع حديثه ويعتني بمروياته كالزهري وأضرابه بحيث يقال: إنه لو رواها لسمعها منها حفاظ أصحابه ولو سمعوها لرووها ولما تطابقوا على تركها، والذي يغلب على الظن في هذا وأمثاله تغليط راوي الزيادة، وقد نص الشافعي في ((الأم)) على نحو هذا فقال في زيادة مالك ومن تابعه في حديث ((فقد عتق منه ما عتق)): إنما يغلط الرجل بخلاف من هو أحفظ منه أو بأن يأتي بشئ يشركه فيه من لم يحفظه عنه، وهم عدد وهو منفرد)).

فأشار إلى أن الزيادة متى تضمنت مخالفة الأحفظ أو الأكثر عدداً أنها تكون مردودة. وهذه الزيادة التي زادها مالك لم يخالف فيها من هو أحفظ منه ولا أكثر عدداً فتقبل، وقد ذكر الشافعي رضي الله عنه هذا في مواضع وكثيراً ما يقول: ((العدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد)).

وقال ابن خزيمة في صحيحه:

((لسنا ندفع أن تكون الزيادة مقبولة من الحفاظ، ولكنا نقول: إذا تكافأت الرواة في الحفظ والاتقان فروى حافظ بالأخبار زيادة في خبر قبلت زيادته. فإذا تواردت الأخبار، فزاد وليس مثلهم في الحفظ زيادة لم تكن تلك الزيادة مقبولة)).

وقال الترمذي في أواخر الجامع: ((وإنما تقبل الزيادة ممن يعتمد على حفظه)).

وفي سؤالات السهمي للدار قطني:

((سئل عن الحديث إذا اختلف فيه الثقات؟

قال: ينظر ما اجتمع غليه ثقتان فيحكم بصحته، أو ما جاء بلفظة زائدة، فتقبل تلك الزيادة من متقن، ويحكم لأكثرهم حفظاً وثبتاً على من دونه)).

قلت: وقد استعمل الدار قطني ذلك في ((العلل)) و ((السنن)) كثيراً فقال: في حديث راوه يحيى بن أبي كثير عن أبي عياش عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في النهي عن بيع الرطب بالتمر نسيئة: ((قد رواه مالك وإسماعيل وأسامة بن زيد والضحاك بن عثمان عن أبي عياش، فلم يقولوا: نيسئة، واجتماعهم على خلاف ما رواه يحيى يدل على ضبطهم ووهمه)).

وقال ابن عبد البر في ((التمهيد)): ((إنما تقبل الزيادة من الحافظ إذا ثبت عنه وكان أحفظ وأتقن ممن قصر أو مثله في الحفظ، لأنه كأنه حديث آخر مستأنف. وأما إذا كانت الزيادة من غير حافظ، ولا متقن، فإنها لا يلتفت إليها. وسيأتي إن شاء الله كلام الخطيب بنحو هذا.

فحاصل كلام هؤلاء الأئمة أن الزيادة إنما تقبل ممن يكون حافظاً متقناً حيث يستوي مع من زاد عليهم في ذلك، فإن كانوا أكثر عدداً منه أو كان فيهم من هو أحفظ منه أو كان غير حافظ ولو كان في الأصل صدوقاً فإن زيادته لا تقبل.

وهذا مغاير لقول من قال: زيادة الثقة مقبولة وأطلق والله أعلم. واحتج من قبل الزيادة من الثقة بأن

الراوي إذا كان ثقة وانفرد بالحديث من أصله كان مقبولاً، فكذلك انفراده بالزيادة وهو احتجاج مردود، لأنه ليس كل حديث تفرد به أي ثقة كان يكون مقبولاً كما سبق بيانه في نوع الشاذ.

ثم إن الفرق بين تفرد الراوي بالحديث من أصله وبين تفرده بالزيادة ظاهر، لأن تفرده بالحديث لا يلزم منه تطرق السهو والغفلة إلى غيره من الثقات إذ لا مخالفة في روايته بخلاف تفرده بالزيادة إذا لم يروها من هو أتقن منه حفظاً وأكثر عدداً فالظن غالب بترجيح روايتهم على روايته. ومبنى هذا الأمر على غلبة الظن.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير