1 ـ المستشرق الألماني (برجشتراسر) الذي تحدث في محاضراته التي ألقاها في الجامعة المصرية عام 1929م عن قضايا تتعلق بنحو اللغات السامية (كما يزعم)، وخصَّ بابًا للمفردات، وقد جعله لمناقشة الدخيل في العربية من مجموع لغات (الفارسية، والحبشية، والآرامية، والأكَّادية، واليونانية واللاتينية).
2 ـ والمستشرق (تيودور نولدكه) () في كتابه (تاريخ القرآن)، بتعديل (فريديرش شفالي).
وقد زعموا في هذا الباب أن عددًا من ألفاظ القرآن ليست عربية أصيلة، بل هي دخيلة من إحدى هذه اللغات، وسأناقش هذا الزعم من جهتين:
الأولى: هل اللغة العربية سابقة أو مسبوقة؟
الثانية: تحليل لبعض الألفاظ المنسوبة للغات قديمة تحليلاً معجميًّا لبيان أصالتها العربية.
وسأجتهد في بيان الأفكار مدعمة بأقوال من سبقوني إلى توضيح شيء من الأفكار المرتبطة بهذا الموضوع، فأقول مستعينًا بالله:
إن المستشرقين لما دخلوا إلى دراسة منطقة العرب دراسة منظمة واجهوا صعوبات متعددة، لكنهم من وجهة نظرهم الخاصة قد تغلبوا عليها، ومن تلك الصعوبات التي واجهتهم تسمية شعوب منطقة جزيرة العرب ومنطقة الصراع الحضاري (العراق والشام)، فعمد أحدهم إلى تسمية افتراضية ارتضاها غالب المستشرقين، وبنوا عليها المعلومات والعلوم، وذلك ما سُمِّي اصطلاحًا (الساميَّة) نسبة إلى سام بن نوح، وهذه التسمية منطلقة من منطلق توراتي صِرْفٍ؛ إذ المستشرقون على مراتب تجاه البحث الاستشراقي:
الأولى: المستشرق الذي يبحث عن المعلومة بدون تعصُّبٍ، وذلك قد يصيب، وقد يخطئ بحسب توافر المعلومات ونقصها.
الثانية: المستشرق التوراتي المتعصب الذي يصدر عن الكتاب المقدس عندهم، ويرى أن ما في أسفار بني إسرائيل (العهد القديم) حق وصواب، وأن ما سواه باطل، فيعمد إلى دراسة علوم المشرق الإسلامي من هذا المنطلق، فتجد عنده الحَيْف والجور، وإغماض العين عن الحقيقة الواضحة إلى تلبيسات وتزييفات يبصرها الباحث الحق، وطالب العلم الجادِّ.
الثالثة: المستشرق النصراني المتعصب لنصرانيته، وهذا يزيد على الأول برجوعه إلى الأسفار الجديدة المتعلقة بالنصارى مع الأسفار القديمة المتعلقة باليهود.
ويجمعه مع أهل المرتبة الثانية التعصب والحقد على كل ما هو عربي، فضلاً عن كونه إسلاميًّا، وهم سائرون في ذلك على منهج أسلافهم من أهل الكتاب.
ولا يمكن التمييز بينهم إلا بقراءة تراثهم، والنظر إلى قرائن الأحوال في أمورهم، فكم من متخفٍ تحت اسم البحث.
ولقد لاحظت أثناء قراءتي لكتب بعض المستشرقين روح الازدراء للعربية، وكثرة زعمهم من أنها أخذت من غيرها، مع ما يرونه من اكتمالها الذي أغمضوا عنه أعينهم، وراحوا يقيسونها بلغات بادت، فلا يكاد يُعرف منها إلا النزر القليل، ولا يمكن أن تُفسر إلا بالاستعانة بعربية التنزيل، وإن كانوا أثناء بحثهم لا ينصُّون على هذا، بل تراه يخفونه حتى لا يكاد يظهر، فضلاً عن أن يُسلِّم به، لذا لا يمكنهم أن يأتوا بلفظة لها دلالة لا تعرف في لغة عربية التنزيل.
وإذا تأملت المصادر التي يعتمد عليها المستشرقون في دراسة منطقتنا وجدتها لا تخرج عن أسفار بني إسرائيل، ولا عن بعض الكتب النادرة التي وُجِدت من كتابات الإغريق أو اليونانيين أو غيرهم، وتراهم يفسرون ما يجدونه من اللُّقى والأحافير والرسومات الكتابية بما يعرفونه من ثقافة أسفارهم فحسب، غير آبهين بتراث العرب التاريخي واللغوي، وإن ذكروهما فإنما يذكرونهما على سبيل الطعن، أو على سبيل بيان أخذ العرب من حضارات غيرهم من الأمم، وهم يقيسون العرب وتاريخهم بما كانوا عليه إبان نزول الرسالة، إذ لم يكن لهم حضارة قائمة، ويتغافلون عن أجدادهم الذين أنشَؤوا الحضارات القديمة، مع علمهم بها.
وقد استطاعوا إبعادنا عن ما كان من الأجداد الأوائل من العرب باختراع المصطلحات، واعتماد المسميات المنبثقة من أسفارهم، وصرنا أسارى لهذه المسميات والمصطلحات، فالشعوب بزعمهم ترجع إلى أبناء نوح الثلاثة فحسب، سام، وحام، ويافث، وشعوب منطقة الشام والعراق والجزيرة العربية ساميون، نسبة إلى سام بن نوح .... إلخ، لذا اصطلحوا على تسميتهم بهذا الاسم.
¥