وكان أول من اخترع هذا الاسم افتراضًا المستشرق الألماني (شلوتزر)، يقول: (( ... من المتوسط إلى الفرات، ومن بلاد النهرين إلى شبه جزيرة العرب تسود كما هو معروف لغة واحدة، وعليه فالسوريون والبابليون والعبريون والعرب كانوا أمة واحدة، والفينيقيون والحاميون أيضًا تكلموا بهذه اللغة التي أودُّ أن أدعوها ساميَّة)).
وليس هذا موطن نقد هذا الكلام، ومن الأمور التي يمكن الإشارة إليها سريعًا:
1 ـ أن تمايز أبناء سام عن غيرهم مما لا يدلُّ عليه دليل لا عقلي ولا نقلي البتة.
2 ـ أن الكنعانيين (الفينيقيين) ـ بزعمه ـ ليسوا من الساميين، وذلك خطأ أوضحه بعض الباحثين، لكن السؤال الذي يرد: لماذا أُقصِيَ الكنعانيون (الفينيقيون) من الشجرة السامية؟!
ولم يسلم هذا المصطلح من النقد والتقويم، سواءً عند بعض المستشرقين المنصفين، أو عند بعض الباحثين العرب الذين لم يكن لدوائر الاستشراق عليهم أي سلطان، لكن ما زال هذا المصطلح يسيطر على كثير من الدراسات على أنه حقيقة مطلقة، وهو ـ في الحقيقة ـ مجرد افتراض، ثم انقلب بقدرة قادر إلى أن يكون أصلاً يُعتمد عليه، وتبنى عليه أمور علمية، وما ظنُّك بمعلومات ستبنى على مجرد افتراض؟!
ولو استبدلت بالسامية مصطلح (العربية) أو (العروبية) كما ذهب إليه بعض الباحثين، ليميز بين (اللغة العربية) التي استقرت بسبب نزول القرآن واللغات العربية القديمة التي هي أصل للغة التي نزل بها القرآن لكان أوضح وأسلم وأكثر ملاءمة لتاريخ المنطقة، وباستخدامه نبتعد عن كثير من المشكلات التي أحدثها هذا المصطلح الذي ليس له قرار.
وهذه الشعوب التي يدعونها بالأكَّادية والبابلية والآشورية والآرامية وغيرها من شعوب المنطقة، إنما هي شعوب عربية انطلقت من جزيرة العرب، وهي شعوب ذات حضارة تحمل خصائص العرب ولغتهم العربية الخالدة، وذلك مما يؤكده باحثون كثيرون من الغرب والشرق.
لقد أثبت هؤلاء الباحثون والمؤرخون أن جزيرة العرب كانت مصدرًا ثريًّا لحضارات العراق ومصر والشام؛ إذ خرجت منها خمس هجرات كبرى، وكان لها أثر ظاهرٌ في النمو الحضاري لبلاد الرافدين والشام ومصر، وتلك هي منطقة صراع الحضارات منذ القدم.
وأولئك الأقوام المهاجرون من جزيرة العرب كانوا يحكمون تلك المناطق بلغتهم وثقافتهم وحضارتهم، كما هو الشأن في الغالب مع المغلوب.
إن قِدمَ العرب في أعماق التاريخ لا يكاد يجادل عليه مجادل، لكن طمرته رياح التغريب والاستشراق التوراتي الذي لا يريد ذكر أي فضيلة لهم، حتى كاد يطغى عند الدارسين أن بداية العرب إنما هي العصر الجاهلي فحسب، غفلة منهم عن الجذور الأولى، ولكثرة ما يُصبُّ في أذهانهم من أسماء أقوام لا يعرفون صلتهم بالعرب؛ كالكلدانيين، والآشوريين، والبابليين، والعموريين، والآراميين، والكنعانيين، بل والعبريين، وغيرهم من الشعوب والقبائل التي حكمت في منطقة العراق والشام.
ومن المعروف أن تقدير فترات وجود هذه الشعوب والقبائل في مناطقها إنما هو بالظن والتخمين، ولا يمكن التسليم لتاريخ منها التسليم اليقيني المطلق، لكن كونها قديمة جدًّا، وكونها سابقة لعهد الخليل عليه السلام ـ مثلاً ـ لا يمكن أن يجُادل فيه، وستأتي الإشارة إلى ذلك إن شاء الله.
وإذا كان العرب هم السابقين، وهم أصحاب الحضارات القديمة في هذه المنطقة، فكيف تُنسب ألفاظهم إلى غيرهم، ثم يُزعم أنهم تلقفوها منهم؟ وذلك موضوع يحتاج إلى تجلية، وهو البحث في أصل اللغات، وعلاقته بالعربية في أزمانها المتلاحقة.
أصل اللغات، وعلاقة العربية به:
لا شك أن أصل اللغات موضوع يدخل في باب الظنِّ، لكن لا مانع من وجود أشياء يُستأنس بها قد تقرِّب إلى الحقيقة شيئًا قليلاً، فأقول:
إنَّ البحث عن أصل اللغات طويل، لكن أجتزئ منه بعض النتائج التي توصلت إليها من خلال القراءة في هذا الموضوع؛ لتكون على نقاط متعددة توضيحًا للمقصود:
أولاً: فيما يتعلق بنقل الأسماء بين اللغات:
إن مما يُعلم أن الأسماء تُنقل كما هي، وإن حصل فيها تغيير، فإنما هو تحوير بسبب اللغة الناقلة، وليس بسبب اللغة المنقول عنها، فإذا كان هذا الأصل ثابتًا، فلننظر إلى بعض الآثار وبعض الأسماء التي نُقلت من أسماء كانت زمان أبينا آدم عليه السلام.
فمن الآثار:
¥