دلالات الأمر في القُرآن والسُنَّة
ـ[حاتم الحاجري]ــــــــ[02 - 11 - 10, 10:45 م]ـ
إذا تأملتَ في أفعال الأمر وصِيَغه الواردة في كلام الله وسُنن النبي صلى الله عليه وسلم المُنفصلة عن كل قرينة لفظية أو حالية، رأيتَ أن جُملة هذه الأفعال تدُل على الوجوب حيث لا قرينة ولا صارف.
والقرينة اللفظية هي ما يَقترن بالأمر مما يدُل على الوجوب، أما القرينة الحالية فكأن يُخاطِب الآمر المأمور بصيغة شديدة أو بعبارة حاسمة حازمة.
يعني إذا قال الله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَه} [سورة الأنفال - الآية 1]، وقوله: {وَابْتَغِ فِيمَا ءاتَاكَ اللهُ الدَارَ الآخِرَة} [سورة القصص - الآية 77]، أو {أَقِيمُوا الصَّلاةَ وءاتُوا الزَّكَاة} [سورة البقرة - الآية 43] ونحو ذلك فإن هذا يُفيد الوجوب، قال تعالى في تأكيد هذا المعنى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرَاً أَنْ يَكُونَ لهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} [سورة الأحزاب - الآية 36].
والدليل على ذلك قوله سبحانه وتعالى: {فَلْيَحْذَرِ الِّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم} [سورة النور - الآية 63]، فإنه حذر سبحانه وتعالى وتَوَعَّد المُخالِف عن الأمر بالفتنة والعذاب الأليم، ولا يكون ذلك عقوبةً لترك المندوب أو المُباح، وإنما هو عقوبة لِمَن تَرَكَ الواجِب.
وقال تعالى مُخاطِباً إبليس: {مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُك} [سورة الأعراف - الآية 12] فترتب على مُخالَفة إبليس للأمر اللعن والطرد والإبعاد من رحمة الله، فَدَلَّ ذلك على أن الأمر من الله سبحانه وتعالى كان مُقتضياً للوجوب، لأنه لا تترتب هذه العقوبات على مُجَرد المندوب أو المُستحب، كما أن الله تعالى سَمَّى هذه المُخالَفة عِصياناً والعِصيان يُوجِب العُقوبة، قال تعالى: {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} [سورة طه - الآية 93].
كما رَتَّبَ دخولهم النار على قوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُون} [سورة المُرسلات - الآية 48]، ولفظ "اركع" هذا فعل أمر، فَدَلَّ هذا على أن مُخالَفة الأمر تُوجِب النار، ودُخول النار لا يكون إلا لترك واجب؛ وقد أجمع الصحابة على امتثال الأمر ولزوم الطاعة من غير سؤال النبي صلى الله عليه وسلم ماذا عَنِيَ من أوامره.
الخُلاصة: أن صيغة الأمر إذا أُطلقت وتجردت عن القرينة دَلَّت على الوجوب، إلا إذا دَلَّ الدليل على غير ذلك أو يُصرف هذا الأمر إلى غيره.
والقرينة إما أن تكون مُتصلة أو مُنفصلة.
فالقرينة المُتصلة كما في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "صلوا قبل المغرب، لمن شاء" أخرجه البُخاري من حديث عبد الله المُزَني رضي الله عنه. وقوله سبحانه وتعالى: {ياأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُم صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيم} [سورة المجادلة - الآية 12].
فالأمر الواجب لا يُعَلَّق على مشيئة العبد والواجب لا يُعَلَّق بالمشيئة، وإنما يُعَلَّق بالاستطاعة، قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُم} [سورة التغابن - الآية 16]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما نهيتكم عنه فانتهوا وما أمرتكم فأتوا منه ما استطعتم" أخرجه مُسلم. فتعليق الأمر أو الوجوب على المشيئة يدُل على أن المقصود من ذلك الندب أو الإباحة.
والقرينة المنفصلة كما في قوله سبحانه وتعالى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُم} [سورة البقرة - الآية 282] طلب الله من المُسلمين أن يُشهِدوا عند البيع، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم باع واشترى ولم يشهد، فدل ذلك على أن الأمر بالإشهاد دون الإيجاب، وهو الندب والاستحباب.
كتبه: فضيلة الشيخ د. محمد يسري إبراهيم
من كتاب "أوضح العبارات في شرح المحلي مع الورقات".
ـ[أبو حبيبة المصري]ــــــــ[13 - 11 - 10, 02:15 م]ـ
بارك الله فيك ونفع بك
ـ[عامر احمد الاحمد]ــــــــ[13 - 11 - 10, 09:03 م]ـ
فهل يمكننا القول بأن الأمر المطلق عن القرينة للوجوب دوما, ولا يصرف عنه إلا بقرينة, لفظية أو حالية
وجزاكم الله خيرا.
ـ[عامر احمد الاحمد]ــــــــ[15 - 11 - 10, 09:41 م]ـ
كل عام وأنتم إلى الله أقرب
محبكم عامر