تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إذن واجبنا كبير جداً، لكننا لا نستطيع أن نقوم بهذا إلا إذا غيّرنا طريقة التدريس والدراسة والقراءة، فحتى الآن ليس عندنا منهج للقراءة الصحيحة في علوم الحديث، فهذه المصطلحات التي استخدمها المحدثون المتقدمون كيف نقرأها؟ نحن لا نملك المنهجية الصحيحة لقراءتها، بينما المحدثون وسلفنا جميعهم أسسوا لهذه المنهجية، وهي موجودة إلا أننا لم ننتبه إليها.

أنتم تقولون أن منهج المحدثين منهج دقيق جداً، إذن لماذا هذه الاختلافات بين المشتغلين بالحديث؛ فهذا يصحح، والآخر يضعّف ما صحّحه الأول؟

- من الذي يصحّح ومن الذي يضعف؟ نقاد الحديث غالباً ما يتفقون في الحكم، ولكن ربما أنهم لا يتفقون في العبارات التي يعبّرون بها عن هذا الحكم، فربما يستخدمون مصطلحات مختلفة في الظاهر إلا أنها تؤدي في النهاية إلى معنى واحد، وأما إذا وقع اختلاف حقيقي - وهو قليل بين النقاد - فهذا أمر طبيعي، بسبب طبيعة المعلومات التي يستحضرها هذا العالم أو ذاك، وربما يتساهل البعض أحياناً دون الآخر، فالاختلاف وارد، ولكن ذلك لا يعني أن هناك اضطراباً في المنهج.

إذا كان منهج العلماء المتقدمين دقيقاً جداً، وجمع العلماء الكبار – كالبخاري ومسلم وغيرهما – أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، ووضع النقاد قواعد هذا العلم حتى استقر، فما الجديد الذي ستأتون به؟

- الجديد هو إحياء هذا المنهج، فنحن لا نسمح أن تطمس معالم هذا المنهج بحجة هذا التساؤل الذي طرحته، فنحن بحاجة إلى معرفة هذا المنهج، والحفاظ عليه بقواعده التي وضعها أسلافنا، فالمستشرقون يراقبون أعمال المعاصرين ويجعلونها هي عمل المحدثين المتقدمين، ليشككوا في منهجهم ويطعنوا فيه بالقول بأنه منهج شكلي، وهناك للأسف من علماء المسلمين من يردد نفس كلام المستشرقين، فهل نقول بعد هذا: إن هذا العلم نضج واحترق؟!

لاحظت من خلال أجوبتكم السابقة ومما اطلعت عليه من كتبكم أنكم تفرّقون بين منهجي المتقدمين والمتأخرين في التعامل مع قواعد علم الحديث، فما تفصيل ذلك؟

- القضية الجوهرية في هذا الموضوع هي وجود التباين في طريقة التصحيح، فنحن نريد الحفاظ على منهج المحدثين القدامى الذين حفظوا السنة النبوية وأوصلوها إلينا بدقة متناهية، وهذه الدقة ينبغي أن لا تظل بعيدة عن أعين الناس، فأريد أن أبين أن هناك تباينا في طريقة التصحيح، وأنا لا يهمني هذا الطرف أو ذاك، وإنما الذي يهمني هم نقاد الحديث، فسواء سميناهم متقدمين أو متأخرين فالأمر لا يعنيني، لكن بعض من يتحسسون من طروحاتي يثيرون مصطلحَي المتقدمين والمتأخرين والإشكالات حولهما، وهذه قضية شكلية.

ولكنك ذكرت هذين المصطلحين صراحة في كتبك؟

- ذكرتهما على سبيل الاصطلاح لأوضح الموضوع للقارئ، لا أنها عندي مسألة حدية أو جوهرية، فأنا يهمني أن نقاد الحديث - سواء سميناهم متقدمين أو متأخرين - منهجهم دقيق للغاية، وتصحيحهم وتضعيفهم للأحاديث لم يكن مثل تصحيحنا وتضعيفنا، فمن هم هؤلاء النقاد الذين يتبعون هذا المنهج الدقيق؟ سمّهم ما شئت.

لنتعامل مع المصطلح كما طرحته أنت في كتبك .. واسمح لنا أن نسأل: إلى أين ينتهي عصر المتقدمين؟

- ما الذي يترتب على معرفة ذلك؟ نحن إذا استوعبنا أن هناك تبايناً بين منهجين، ثم نظرنا إلى هذا الشخص أو ذاك على أي أساس يصحح ويضعف؛ فإننا نحكم على طريقته بعدئذ بأنها صحيحة أو خاطئة، وانتهى الأمر.

إذن دعني آتيك من زاوية أخرى لأسأل: ما هو الحد الزمني الفاصل بين سيادة كل من منهج المتقدمين ومنهج المتأخرين؟

- الفاصل المنهجي بين المتقدمين والمتأخرين هو عصر الرواية الذهبي الذي كان يعتمد على الرواية المباشرة لا على الكتاب، وهو ينتهي إلى القرن الرابع الهجري، ثم بعد ذلك بدأ الاعتماد على كتابة الحديث، والاتكاء على ما قرره المتقدمون فيما يخص الحديث والرواية والنقد.

ولكن هل تقولون أن من المتأخرين مَن لم يفهم مصطلحات المتقدمين؟

- أنا لا أستطيع أن أقول ذلك صراحة، لكني أقول: من خلال اطلاعي على أعمال بعض المتأخرين فإنه يُفهم منها أنهم لم يستطيعوا أن يستوعبوا منهج المتقدمين.

وهل ترى أنك بذلت الجهد الكافي في التأصيل والتعريف بنظريتك في التفريق بين المنهجين؟

- أنا بذلت جهدي ولكني لا أستطيع أن أحكم عليه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير