و هل هذا هو السبب الي جعل العرب ـ أو جلهم ـ لا يتهمونه بالسحر؟ أي لأن الأوزان فيه جاءت متفرقة متباعدة غير مسلسلة على بحر واحد في تتابع و تقارب؟ و لأن العرب أيضا ـ كما ذكرتم ـ لا يطلقون على البيت أو البيتين شعرا، و لاعلى من ليس له أكثر من قصيدة شاعرا، فلذلك لم يطلقوا على القرآن ((شعرا)) أنه ليس بالكثرة و التسلسل والتتابع كما في الشعر المقصود، وأيضا لا يطلقون على النبي صلى الله عليه و سلم ((شاعرا)) لأنه لم يأت فيه بهذا التتابع و الكثرة و التسلسل؟
هل هذا الفهم مني صحيحا؟
ـ[محمد رشيد]ــــــــ[28 Nov 2003, 09:41 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله تعالى وبركاته
أما بعد
فهذا بحث قد ظفرت به في كتاب (إعجاز القرآن) للقاضي أبي بكر الباقلاني، و هو يؤيد تماما ما أفادنا به شيخنا الشيخ الفاضل الشهري ـ حفظه الله ـ وأنا أنقله كاملا رجاء الإفادة و ليكون القول الفصل في الموضوع، و حتى يكتمل الموضوع و تتم الفائدة في بابها، و يكون الموضوع مستحقا أن يوضع في فهرس الملتقى،،،،،
يقول الباقلاني في كتابه (إعجاز القرآن) 1/ 93 المطبوع بهامش (الإتقان) للسيوطي طـ مصطفى الحلبي:
فصل: في نفي الشعر من القرآن
قد علمنا أن الله تعالى نفى الشعر من القرآن و من النبي صلى الله عليه و سلم فقال ـ و ما علمناه الشعر و ما ينبغي له إن هو إلا ذكر و قرآن مبين ـ و قال في ذم الشعراء ـ و الشعراء يتبعهم الغاوون ألن تر أنهم من كل واد يهيمون ـ إلى آخر ما وصفهم به في هذه الآيات فقال ـ و ما هو بقول شاعر ـ و هذا يدل على أن ما حكاه عن الكفار من قولهم إنه شاعر و إن هذا شعر لابد من أن يكون محمولا على أنهم نسبوه في القرآن إلى أن الذي أتاهم به هو من قبيل الشعر الذي يتعارفونه على الأعاريض المحصورة المألوفة، أو يكون محمولا على ما كان يطلق الفلاسفة على حكمائهم و أهل الفطنة منهم في وصفهم إياهم بالشعر لدقة نظرهم في وجوه الكلام و طرق لهم في المنطق و إن كان ذلك الباب خارجا عما هو عند العرب شعر على الحقيقة.
فإن حمل على الوجهين الأولين كان ما أطلقوه صحيحا، و ذلك أن الشاعر يفطن لما لا يفطن له غيره، و إذا قدر على صنعة الشعر كان على ما دونه في رأيهم و عندهم أقدر، فنسبوه إلى ذلك لهذا السبب.
فإن زعم زاعم أنه قد وجد في القرآن شعرا كثيرا، فمن ذلك ما يزعمون أنه بيت تام أو أبيات تامة، و منه ما يزعمون أنه مصراع كقول القائل:
قد قلت لما حاولوا سلوتي .... هيهات هيهات لما توعدون
ومما يزعمون أنه بيت قوله:
و جفان كالجواب ...... و قدور راسيات
قالوا: هو من الرمل من البحر الذي قيل فيه:
ساكن الريح نطوف الـ ..... ـمزن منحل العزالى
و كقوله:
من تزكى فإنما ..... يتزكى لنفسه
كقول الشاعر من بحر الخفيف:
كل يوم بشمسه ..... و غد مثل أمسه
و كقوله عز و جل:
و من يتق الله يجعل له مخرجا ... و يرزقه من حيث لا يحتسب
قالوا: هو من المتقارب، و كقوله:
و دانية عليهم ظلالها .... و ذللت قطوفها تذليلا
و يشبعون حركة الميم فيزعمون أنه من الرجز.
و ذكر عن أبي نواس أنه ضمن ذلك شعرا و هو قوله:
و فتية في مجلس وجوههم .... ريحانهم قد عدموا التثقيلا
دانية عليهم ظلالها .... و ذللت قطوفها تذليلا
و قوله عز و جل:
و يخزهم و ينصركم عليهم .... و يشف صدور قوم مؤمنينا
زعموا أنه من الوافر كقول الشاعر:
لنا غنم نسوقها غزارا .... كأن قرون غلتها عصى
و كقوله عز و جل:
أرأيت الذي يكذب بالدين .... فذلك الذي يدع اليتيم
ضمنه أبو نواس في شعره ففصل و قال: فذاك الذي، و شعره:
و قرأ معلنا ليصدع قلبي .... و الهوى يصدع الفؤاد السقيما
أرأيت الذي يكذب بالدين .... فذاك الذي يدع اليتيم
و هذا من الخفيف كقول الشاعر:
و فؤادي كعهده بسليمي .... يهوى لم يحل و لم يتغير
و كما ضمنه في شعره من قوله:
سبحان من سخر هذا لنا .... حقا و ما كنا له مقرنينا
فزاد في حتى انتظم له الشعر، و كما يقولونه في قوله عز و جل ـ و العاديات ضبحا فالموريات قدحا ـ و نحو ذلك في القرآن كثير كقوله ـ و الذاريان ذروا. فالحاملات وقرا. فالجاريات يسرا ـ و هو عندهم شعر من بحر البسيط، و الجواب عن هذه الدعوى التي ادعوها من وجوه.
¥