تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن تلك النصوص قوله صلى الله عليه وسلم: (رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد ... ) (16).

ومن تلك النصوص حديث أبي سعيد الخدري قال: (قيل يا رسول الله: أي الناس أفضل؟ فقال رسول الله): مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله. قالوا: ثم من؟ قال: مؤمن في شعب من الشعاب يتقي الله، ويدع الناس من شره) (17).

قال البخاري -رحمه الله-: (باب أفضل الناس مؤمن مجاهد بنفسه وماله في سبيل الله) ثم ذكر الحديث السابق وحديثاً آخر (18).

ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) (19).

فقد بين الحديث درجات التغيير، وأعلاها التغيير باليد، لأنه صلى الله عليه وسلم نبه أمته أولاً إلى المطلب الأسمى فمن لم يكن قادراً عليه فإنه ينتقل إلى ما هو أدنى منه حتى ينتهي إلى أضعف الإيمان، وهو التغيير بالقلب، قال النووي -رحمه الله- ((وأعلى ثمرات الإيمان في باب النهي عن المنكر أن ينهى بيده وإن قتل شهيداً)) (20).

ونفس الأمر ينبغي أن يقال في أمر الجهاد فأعلاه الجهاد باليد والسلاح، وذلك لأن القول في الجهاد هو نفسه القول في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ إذ هما جنس واحد، والجهاد ما هو إلا تغيير لمنكر الكفر والظلم، وكثيراً ما يستدل العلماء بنصوص أحدهما على الآخر؛ وذلك مثل قول القرافي عند ذكره لأسباب الجهاد: ((السبب الأول وهو معتبر في أصل وجوبه ويتجه أن يكون إزالة منكر الكفر فإنه أعظم المنكرات ومن علم منكراً وقدر على إزالته وجب عليه إزالته)) (21).

ومن تلك النصوص حديث أبي هريرة الذي مر قبل قليل، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم لمن جاءه يسأله عن عمل يعدل الجهاد: (لا أجده) ثم قوله له: هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر وتصوم ولا تفطر؟).

قال الحافظ في شرح هذا الحديث: (( ... وهذه فضيلة ظاهرة للمجاهد في سبيل الله تقتضي ألا يعدل الجهاد شيء من الأعمال)) (22).

ثم نقل عن ابن دقيق العيد قوله: ((القياس يقتضي أن يكون الجهاد أفضل الأعمال التي هي وسائل؛ لأن الجهاد وسيلة إلى إعلان الدين ونشره وإخماد الكفر، ودحضه ففضيلته بحسب فضيلة ذلك والله أعلم)) (23).

وقال الإمام أحمد رحمه الله: ((ليس يعدل لقاء العدو شيء، ومباشرة القتال بنفسه أفضل الأعمال،والذين يقاتلون العدو هم الذين يدفعون عن الإسلام وعن حريمهم،فأي عمل أفضل منه؟ الناس آمنون وهم خائفون، قد بذلوا مهج أنفسهم)) (24).

4 - ومما يدخل في ذلك أيضاً ما رأيته عند بعض الأفاضل من وصف الجهاد القتالي بأنه أسهل أنواع الجهاد، مع أن في الجهاد القتالي من المشقة ما ليس في غيره، إذ فيه بذل الأرواح وإراقة الدماء في سبيل الله، ومن أجل هذا كانت النفوس كارهة له كما قال تعالى: (كتب عليكم القتال وهو كره لكم،وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم،وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم،والله يعلم وأنتم لا تعلمون) [البقرة:216]

ومن أجل علم السلف بأن الجهاد القتالي أشق على النفوس من غيره، جاءت مثل الكلمات السابقة التي نقلناها عن الإمام أحمد وغيره، ومن أجل ذلك أقر الفضيل بن عياض رحمه الله بما جاء في الأبيات التي أرسلها إليه عبد الله بن المبارك رحمه الله والتي يقول فيها:

يا عابد الحرمين لو أبصرتنا * لعلمت أنك في العبادة تلعب

من كان يخضب خده بدموعه * فنحورنا بدمائنا تتخضب

إلى آخر تلك الأبيات المشهورة،التي جعلت الفضيل يذرف دموعه قائلاً: ((صدق أبو عبد الرحمن ونصح (((25).

وختاماً فإني لأرجو أن لا يفهم من كلامي هذا أنني أقلل من أهمية أنواع الجهاد الأخرى كالدعوة ومجاهدة النفس والشيطان، فكل ذلك مطلوب، ونحن جميعاً محتاجون إليه، ولولا أني لاحظت بعض الجور على المفهوم القتالي للجهاد، لما كان هناك من داعٍ لتسويد هذه الصفحات، والله المسؤول أن يهدينا وإخواننا المسلمين أجمعين لما يحبه ويرضاه آمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

***************

هوامش:

(1) أخرجه مسلم (1879) وأحمد (4/ 269) وابن حبان (10/ 451) والبيهقي في سننه الكبرى (9/ 158).

(2) أخرجه أحمد (4/ 114) وعبد الرزاق عن في معمر في الجامع الملحق بالمصنف (20107) من حديث عمرو بن عبسة،والحديث أورده الهيثمي في المجمع (1/ 59)، (3/ 207) وقال: رجاله رجال الصحيح.

(3) أخرجه البخاري (2785) وله الرواية الأولى، ومسلم (1878) وله الرواية الثانية،وهو برواية مسلم عند الترمذي (1619).

(4) بدائع الصنائع (9/ 4299 (.

(5) كذا في الشرح الصغير على أقرب المسالك (2/ 267 (.

(6) فتح الباري (6/ 3).

(7) كشاف القناع (3/ 32).

(8) سبل السلام (4/ 41 (.

(9) مقدمات ابن رشد (1/ 342).

(10) أخرجه البخاري (3004) ومسلم (2549) وأبو داود (2529) والترمذي (1671) والنسائي (6/ 10).

(11) سبل السلام: (4/ 42).

(12) أخرجه البخاري (1520) وبنحوه أخرجه النسائي (5/ 114) وابن ماجه (2901 ( ..

(13) بدائع الصنائع (9/ 4304).

(14) أخرجه أبو داود (3462) وأحمد (2/ 28، 42) من حديث ابن عمر وصححه الألباني في الصحيحة (11).

(15) أخرجه مسلم (1910) وأبو داود (2502) والنسائي (6/ 8).

(16) أخرجه الترمذي (2616) من حديث معاذ وقال حسن صحيح وأخرجه ابن ماجه (3973) بلفظ (ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ الجهاد) وأخرجه الحاكم (2/ 76) وصححه.

(17) أخرجه البخاري (2786)، (6494) ومسلم (1888).

(18) انظر صحيح البخاري (6/ 6 –فتح).

(19) أخرجه مسلم (49) وأبو داود (1140)، (4340) والترمذي (2172) وابن ماجه (1275)، (4013) والنسائي (8/ 11 - 112) وأحمد (3/ 54) من حديث أبي سعيد.

(20) الأربعون النووية (ص: 111).

(21) الذخيرة (3/ 387 (.

(22) فتح الباري: (6/ 5).

(23) المصدر السابق: نفس الموضع.

(24) المغني والشرح الكبير لابني قدامة: (10/ 363).

(25) سير أعلام النبلاء: (8/ 412).

المرجع هنا ( http://alarabnews.com/alshaab/GIF/04-07-2003/Hammad.htm)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير