إذن كل نجاح في الحياة مرده إلى العلم، فالغني بالمال لم يصل إلى ما وصل إليه من غنى إلا لأنه ذو علم بأمور بالتجارة ودراية بأسباب الربح. وإذا كان المال يكسب صاحبه النفوذ فإن الفضل في كسب النفود يعود إلى العلم. ونحن نلمس ذلك اليوم في أقوى دولة في العالم، فهي بعلم التكنولوجيا وعلم التجارة صارت أغنى دولة في العالم، وبالمال اكتسبت النفوذ ووظفت الأموال في بناء قوتها لتعزيز نفوذها، فدخلها من الضرائب والموارد يصل إلى 3000 بليون دولار.
وكنا نأمل أن يكتسب الإنسان الحكمة من العلم إلا أنه رغم رقيه في الحضارة لا زال يطبق قانون الغاب ولم يرتق إلى درجة أكثر من مستوى وحوش الغابة، فأنشأ مجلسا للأمن الدولي لصناعة القرار العالمي وإصدار الأحكام، وجعل عضويته الدائمة للدول الأقوى تسلحا في العالم، وأقوى هذه الدول الخمس هي التي تسمح بتمرير الأحكام أو رفضها، أليس حكم القوي هو قانون الغاب!!؟
القوي قد يكون غالبا (عزيزا) في ميدان ونوعية القوة التي يتمتع بها، ولكن القوي لا يمكن أن يكون حكما، فالله تعالى لم يصف القوي بالحكيم وإنما وصفه بالعزيز فقال (قوي عزيز)). وأما الحكم العادل فهو الذي يصدر ممن هو عليم بأحوال الناس، ولذلك يوصف العليم بالحكيم،والحكيم بالعليم.
إن أول ما يتبادر إلا أذهاننا- ونحن نقرأ الآيات الخمس الأولى من سورة العلق- أن الإنسان سيعلمه الله العلم وسيعم العالم النور ويصبح الناس إخوانا يعيشون في سلام ورقي حضاري وسيوظف الإنسان العلم في مجال التنمية لترفيه الحياة البشرية ...
هذه الأماني والأحلام الوردية هي التي تأتي إلى بالنا عند قراءتنا للآيات الخمس من سورة العلق، لكن الله سبحانه يضرب عن كل هذه الخواطر في قوله بعد ذلك: كلا إن الإنسان ليطغى. فكلمة (كلا) لا تأتي ابتداء في الكلام وإنما تأتي لتضرب عن كلام سابق، فهي حرف استدراك، والكلام الذي أضربت عنه هو تلك الخواطر.
وها نحن نرى اليوم أن الذين علمهم الله ما لم يعلموا هم الذين طغوا لما استغنوا بعلمهم، والدولة التي أوتيت النصيب الأكبر من العلم والتي بالعلم كسبت المال والنفوذ العالمي لم تحسن كما أحسن الله إليها، فاحتكرت التكنولوجيا وتبدل أقصى جهودها في سبيل الحفاظ على تفوقها، وسخرت ما أوتيت من علم في بناء قوتها لتجعل من نفسها أكبر قوة في العالم، وسمحت لنفسها بصناعة كل أسلحة الدمار الشامل بينما منعته عن غيرها لكي تبقى هي الأقوى والأعلى، وتريد أن تشرع للعالم نظاما عالميا جديدا موافقا لهواها.
أليس هذا تصديقا لقوله تعالى: كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى؟
ها نحن رأينا فرعون يبعث من جديد وكأن التاريخ يعيد نفسه، بل هذه المرة يعود بطغيان أكبر من الأول.
هذه المرة علا في الأرض كلها وليس في أرض مصر فقط كما حصل في المرة الأولى، وجعل أهل الأرض شيعا، من ليس معه فهو عدوه. وبات يراقب سكان العالم ويتجسس عليهم بأقماره المنتشرة في السماء، وكل قرار في مجلس ال لا أمن لا ينفذ إلا إذا جاء موافقا لهواه، لقد جعل من نفسه إلها في الأرض يشرع للناس القوانين من عنده، والويل لمن عصاه وتمرد عليه.
إذن ها هو فرعون يعود بفساد أكبر وأوسع من فساده الأول. فهل يأخذه الله نكال المرة الآخرة كما أخذه نكال المرة الأولى؟
أم ينذره ويريه الآية الكبرى كما أراه إياها المرة الأولى؟
بما أن الله عزيز حكيم ولا تتغير ولا تتحول سنته فإننا نرى أنه سيعامله مثلما عامله في المرة الأولى، وسيبين له آية الإسلام الكبرى لعله يذكر أو يخشى وبذلك يكون قد أقام عليه الحجة.
ـ[أبو علي]ــــــــ[20 Nov 2003, 10:38 ص]ـ
مما سبق يتضح لنا أن آيات الله يعقلها العالمون، فلو أنني حكبت
ما كتبت لرجل غير متعلم لا يقرأ ولا يكتب هل بإمكانه أن يفهم شيئا مما ذكرت؟ بالطبع لن يفهم شيئا إلا إذا تعلم بالقلم القراءة والكتابة.
إذن كان من الحكمة أن يعلم الله الإنسان ما لم يعلم ليدرك بالعلم البينات. وكان من الحكمة أن ينبه ا لله على ذلك في أول ما أنزل من الوحي، ففي عرفنا نحن البشر إذا كلفت أحدا بمهمة فإنك لا تكلف إلا من ترى فيه الكفاءة لإنجاز المهمة، فإذا توفرت فيه الشروط تسلمه
الكاتالوج أو التصاميم ليقرأها ويتبع تعليماتها.
كذلك أنزل الله كتابا محكما، آياته من جنس الحكمة، فكان من الحكمة أن يعلم الله رسوله الحكمة التي تؤهله لفهم الكتاب ومراد كلام الله.
ولقد جئت عند قوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم حم، تنزيل من الرحمن الرحيم، كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون).
والسؤال الذي يأتي إلى الأذهان هو: كيف يدرك هؤلاء الذين يعلمون أنه تنزيل من الرحمن الرحيم إذا لم يبين الله لهم ذلك!؟
فكان من الحكمة أن يجيبنا الله على هذا التساؤل ويقول في نفس السورة قبل أن يختمها: سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى بتبين لهم أنه الحق .... ).
والحق أن أحكم مثل يضرب لهدى الله يجب أن يضربه للإنسان في نفسه وفي الآفاق.
¥