تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

1. ماتحقق فيه النقل المستفيض، وكأنه يشير بهذا إلى مااصطلح عليه المتأخرون بـ (المتواتر)، وهذا يفيد العلم النظري.

ومن أشهر أمثلته: حديث (من كذب علي متعمدا .. ) فهذا الحديث رواه مايقارب مائة صحابي عن الرسول صلى الله عليه وسلم، بحيث يقطع أنه قاله، وقد صنف الحافظ الطبراني جزءا في طرق هذا الحديث طبع محققا.

2. ماثبتت صحته بنقل العدول الأثبات على الشرط المعتبر عند أهل الحديث، ولم يأت به النقل المستفيض كالأول.

ومن أمثلته: مارواه الشيخان وغيرهما من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري قال أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي أنه سمع علقمة بن وقاص الليثي يقول سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى .. ".

فهذا حديث فرد لايعرف ثابتا بغير هذا الإسناد، وليس له طريق ثان فضلا عن أن يكون مستفيضا متواترا، ومع ذلك فهو حديث صحيح لأنه مروي بنقل العدول الأثبات، واتفق الشيخان على جلالتهما على تخريجه.

والنقل المستفيض، ونقل العدول الأثبات؛ لاإشكال فيهما، وقد قال الطبري عند قوله تعالى: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) (البقرة:65) وأشار إلى معنى المسخ في الآية وقول مجاهد في ذلك، قال:

" ومن أنكر شيئا من ذلك وأقر بآخر منه؛ سئل البرهان على قوله وعورض فيما أنكر من ذلك بما أقر به، ثم يسأل الفرق من خبر مستفيض، أو أثر صحيح "

وعند قوله تعالى: (كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ) (البقرة: من الآية113) قال:" .. وجائز أن يكونوا هم المشركين من العرب، وجائز أن يكونوا أمة كانت قبل اليهود والنصارى، ولا أمة أولى أن يقال هي التي عنيت بذلك من أخرى إذ لم يكن في الآية دلالة على أي من أي، ولا خبر بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثبتت حجته من جهة نقل الواحد العدل، ولا من جهة النقل المستفيض "

3. مادلت الأدلة والقرائن المحتفة على صحة هذا الخبر.

فهو حديث غير مستفيض، ورواته ليسوا في درجة العدول الأثبات الضابطين بحيث يصحح الخبر أصالة لذاته، وإنما اتصف هذا الخبر بقادح تقاصر معه عن درجة الصحيح، إما لسقط في الإسناد، أو طعن في الراوي، لكن هذا القادح انجبر في نظر الناقد بأي جابر معتبر، كأن يشهد له حديث آخر، أو يتابع الراوي الذي جرح في حفظه بمثله أو أقوى منه، أو يعرف أن هذا الحديث المعين قد حفظه ذلك الراوي المجروح لدليل ظهر للناقد، أو لغير ذلك مما يرقي هذا الخبر إلى درجة القبول.

وعند آية المحرمات في سورة النساء أشار رحمه الله إلى الفرق بين أم الزوجة وبنتها (الربيبة) فقال:" وقد روي بذلك أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم خبر غير أن في إسناده نظرا، وهو ما حدثنا به المثنى قال ثنا حبان بن موسى قال أخبرنا ابن المبارك قال أخبرنا المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا نكح الرجل المرأة فلا يحل له أن يتزوج أمها، دخل بالابنة أم لم يدخل، وإذا تزوج الأم فلم يدخل بها ثم طلقها فإن شاء تزوج الابنة)

قال أبو جعفر: وهذا خبر وإن كان في إسناده ما فيه، فإن في إجماع الحجة على صحة القول به مستغنى عن الاستشهاد على صحته بغيره "

وفي السنة مئات بل آلاف الأحاديث كمثال على ذلك.

وعند قوله تعالى: (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ) (البقرة:17) قال:

" وفي وصف الله جل ثناؤه إياهم بصفة النفاق ما ينبئ عن أن القول غير القول الذي زعمه من زعم أن القوم كانوا مؤمنين،ثم ارتدوا إلى الكفر فأقاموا عليه، إلا أن يكون قائل ذلك أراد أنهم انتقلوا من إيمانهم الذي كانوا عليه إلى الكفر الذي هو نفاق، وذلك قول إن قاله لم تدرك صحته إلا بخبر مستفيض، أو ببعض المعاني الموجبة صحته ".

والإمام الطبري عالم موسوعي – إن صح هذا التعبير – ومفخرة من مفاخر هذه الأمة، وإمامته في الحديث متقررة عند أهل العلم، وله في ذلك – مما وجد – (تهذيب الآثار)، ,وأحسب أن تفسيره اشتمل على شيء من ذلك، ولعل من له عناية وإدمان بهذا الكتاب أن يستخرج أمثلة عليه، ومن أمثلة إعلاله لبعض الأحاديث ماذكره عند قوله تعالى: (وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ) (المائدة: من الآية4) قال:" .. فإن قال قائل: فما أنت قائل فيما حدثك به عمران بن بكار الكلاعي قال ثنا عبد العزيز بن موسى قال ثنا محمد بن دينار عن أبي إياس عن سعيد بن المسيب عن سلمان الفارسي عن النبي قال: (إذا أرسل الرجل كلبه على الصيد فأدركه وقد أكل منه فليأكل ما بقي).

قيل: هذا خبر في إسناده نظر، فإن سعيدا غير معلوم له سماع من سلمان، والثقات من أهل الآثار يقفون هذا الكلام على سلمان، ويروونه عنه من قبله غير مرفوع إلى النبي، والحفاظ الثقات إذا تتابعوا على نقل شيء بصفة فخالفهم واحد منفرد ليس له حفظهم، كانت الجماعة الأثبات أحق بصحة ما نقلوا من الفرد الذي ليس له حفظهم ".

هذا ماتيسر، وأرجو أن يكون فيه مايفيد أخانا أبا بيان خاصة، وسائر الإخوة عموما، والله أعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير