تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

القولان السابقان في المراد بالكتاب في قول الله تعالى: ? مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ? [أي القرآن، واللوح المحفوظ] متكافئان، ولكل منهما ما يشهد له، مع احتمال اللفظ لهما.

والذي يظهر لي أن حمل الآية على المعنيين أولى، وأن المراد بالكتاب هنا: القرآن، واللوح المحفوظ؛ لأن لفظ الكتاب يطلق على المعنيين بالتواطؤ، ولا حجة تدل على تعيين أحدهما، فكان حمل اللفظ عليهما هو الأقرب. والله أعلم.

ومما يحتمله لفظ الكتاب هنا: الكتاب الذي تحصى فيه الأعمال، وهو الكتاب الذي أخبر الله U عنه بقوله: ? وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ? (الكهف: 49).

وهذا المعنى أظهر – فيما أرى -؛ لأن الله U قال بعده: ? ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ? (الأنعام: من الآية38)، وفيه دلالة على أنهم - بعد إحصاء ما عملوه - محشورون إلى ربهم لمجازاتهم عليها.

ويدل على هذا المعنى أن أبا هريرة رضي الله عنه قال في تفسير هذه الآية: يحشر الخلق كلهم يوم القيامة، البهائم والدواب والطير وكل شيء، فيبلغ من عدل الله يومئذ، أن يأخذ للجماء من القرناء، ثم يقول كوني تراباً، فلذلك يقول الكافر: ? يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً ? (النبأ: من الآية40). ([1])

كما يدل عليه ما ثبت في الأحاديث الصحيحة من اقتصاص الحيوانات بعضها من بعض بعد حشرها يوم القيامة، وقد أوردها بعض المفسرين عند تفسيرهم لهذه الآية. ([2])

وما ذكره كل من ابن جرير، وابن كثير في تفسير الآية يدل على هذا القول، إلا أنهما لم يصرحا بكون الكتاب الذي تحصى فيه الأعمال غير الكتاب الذي هو اللوح المحفوظ.

وهذا المثال تطبيق واضح للقاعدة التفسيرية: إذا كان اللفظ محتملاً لمعنيين أو أكثر، مستعملاً فيها حقيقة - بحيث يكون مستعملاً فيها على السواء -، وهي غير متنافية، ولا دليل يرجح أحدها، فتكون المعاني جميعها مرادة؛ لأن الله ? لو أراد أحدها لنصب على مراده منها دليلاً. ويكون استعمال اللفظ للمعاني مجتمعة أبلغ في الإعجاز والفصاحة


([1]) أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 2/ 206، ومن طريقه أخرجه ابن جرير 11/ 347، والحاكم في مستدركه 2/ 216 - 217 وقال: (وهو صحيح على شرطه [أي: الإمام مسلم]، ولم يخرجاه.) وقد علق عليه أحمد شاكر بقوله: إسناد عبدالرزاق إسناد صحيح ... وهو موقوف على أبي هريرة، ومعناه ثابت صحيح مرفوعاً. انظر عمدة التفسير عن الحافظ ابن كثير 1/ 772 (حاشية رقم 2).

([2]) انظر جامع البيان لابن جرير 11/ 347 - 348، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير 3/ 1295 - 1296.

ـ[د. أنمار]ــــــــ[23 Nov 2006, 01:03 ص]ـ
عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال "من أراد العلم فليثور القرآن فإن فيه علم الأولين والآخرين"

أخرجه ابن أبي شيبة، وسعيد بن منصور والبيهقي في الشعب، وتجده في الزهد لابن المبارك وللإمام أحمد في زوائد عبد الله والطبراني في الكبير وغيرهم
كلهم من طرق عن أبي إسحاق عن مرة عن ابن مسعود

قال الهيثمي في مجمع الزوائد رواه الطبراني باسانيد ورجال احدها رجال الصحيح
وله ألفاظ أخرى متقاربة.

وله شاهد بنفس اللفظ عن أنس رضي الله رواه الديلمي أورده السيوطي في الجامع الكبير كما في الكنز 2454

ـ[فهد الوهبي]ــــــــ[23 Nov 2006, 01:55 ص]ـ
الشيخ أبا مجاهد وفقه الله نعم أردت آية الأنعام ... وإنما هو سبق قلم ..
وما ذكرته محتمل، ولكن لم يظهر وجه الاستدلال بتفسير أبي هريرة رضي الله عنه، وبما جاء في الصحيحين على ذلك المعنى ..
والله أعلم ..

ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[25 Nov 2006, 10:01 ص]ـ
ولكن لم يظهر وجه الاستدلال بتفسير أبي هريرة رضي الله عنه، وبما جاء في الصحيحين على ذلك المعنى ..
والله أعلم ..

لعل قراءة الآية كاملة توضح المقصود، ومما يوضحه أيضاً قول ابن عاشور في يفسر " من شيء": (والشيء هو الموجود. والمراد به هنا أحوال المخلوقات كما يدلّ عليه السياق فشمل أحوال الدّواب والطير فإنّها معلومة لله تعالى مقدّرة عنده بما أودع فيها من حكمة خلقه تعالى.)

والمراد: أن ما يحصل من الدواب مكتوب.

ـ[أبو العالية]ــــــــ[25 Nov 2006, 11:47 ص]ـ
الحمد لله، وبعد ..

قال الشيخ أبو مجاهد وفقه الله:

(ومما يحتمله لفظ الكتاب هنا: الكتاب الذي تحصى فيه الأعمال، وهو الكتاب الذي أخبر الله تعالى عنه بقوله: ((وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ? (الكهف: 49).

وهذا المعنى أظهر – فيما أرى -؛ لأن الله تعالى قال بعده: ? (ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ? (الأنعام: من الآية38)، وفيه دلالة على أنهم - بعد إحصاء ما عملوه - محشورون إلى ربهم لمجازاتهم عليها))

جميلة هذة الُّلمحة، وكنت سوف أعقب بها. فتح الله عليك.

وفيها إشارة إلى أن المراد هو اللوح المحفوظ.

والله أعلم
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير