ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[27 Dec 2003, 11:31 ص]ـ
قال الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان عند تفسيره لآية النحل: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) (النحل:112):
(وفي هذه الآية الكريمة سؤال معروف، هو أن يقال: كيف أوقع الإذاقة على اللباس في قوله {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ}. وروي أن ابن الراوندي الزنديق قال لابن الأعرابي إمامِ اللغة الأدب: هل يُذاق اللباس؟ ? يريد الطعن في قوله تعالى: {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ}. فقال له ابن الأعرابي: لا بأس أيها النسناس? هب أن محمداً صلى الله عليه وسلم ما كان نبياً! أما كان عربياً؟
قال مقيده عفا الله عنه: والجواب عن هذا السؤال ظاهر، وهو أنه أطلق اسم اللباس على ما أصابهم من الجوع والخوف. لأن آثار الجوع والخوف تظهر على أبدانهم، وتحيط بها كالباس. ومن حيث وجدانهم ذلك اللباس المعبرَّ به عن آثار الجوع والخوف، أوقع عليه الإذاقة، فلا حاجة إلى ما يذكره البيانيون من الاستعارات في هذه الآية الكريمة وقد أوضحنا في رسالتنا التي سميناها (منع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز): أنه لا يجوز لأحد أن يقول إن في القرآن مجازاً، وأوضحنا ذلك بأدلته، وبينا أن ما يسميه البيانيون مجازاً أنه أسلوب من أساليب اللغة العربية.
وقد اختلف أهل البيان في هذه الآية، فبعضهم يقول: فيها استعارة مجردة. يعنون أنها جيء فيها بما يلائم المستعار له. وذلك في زعمهم أنه استعار اللباس لما غشيهم من بعض الحوادث كالجوع والخوف، بجامع اشتماله عليهم كاشتمال اللباس على اللابس على سبيل الاستعارة التصريحية الأصلية التحقيقية، ثم ذكر الوصف، الذي هو الإذاقة ملائماً للمستعار له، الذي هو الجوع والخوف. لأن إطلاق الذوق على وجدان الجوع والخوف جرى عندهم مجرى الحقيقة لكثرة الاستعمال.
فيقولون: ذاق البؤس والضر، وأذاقه غيره إياهما. فكانت الاستعارة مجردة لذكر ما يلائم المستعار له، الذي هو المشبه في الأصل في التشبيه الذي هو أصل الاستعارة. ولو أريد ترشيح هذه الاستعارة في زعمهم لقيل: فكساها. لأن الإتيان بما يلائم المستعار منه الذي هو المشبه به في التشبيه الذي هو أصل الاستعارة يسمى «ترشيحاً» والكسوة تلائم اللباس، فذكرها ترشيح للاستعارة. قالوا: وإن كانت الاستعارة المرشحة أبلغ من المجردة، فتجريد الاستعارة في الآية أبلغ. من حيث إنه روعي المستعار له الذي هو الخوف والجوع، وبذكر الإذاقة المناسبة لذلك ليزداد الكلام وضوحاً.
وقال بعضهم: هي استعارة مبنية على استعارة. فإنه أولاً استعار لما يظهر على أبدانهم من الاصفرار والذبول والنحول اسم اللباس، بجامع الإحاطة بالشيء والاشتمال عليه، فصار اسم اللباس مستعاراً لآثار الجوع والخوف على أبدانهم، ثم استعار اسم الإذاقة لما يجدونه من ألم ذلك الجوع والخوف، المعبر عنه باللباس، بجامع التعرف والاختبار في كل من الذوق بالفم، ووجود الألم من الجوع والخوف. وعليه ففي اللباس استعارة أصلية كما ذكرنا. وفي الإذاقة المستعارة لمس ألم الجوع، والخوف استعارة تبعية.
وقد ألممنا هنا بطرف قليل من كلام البيانيين هنا ليفهم الناظر مرادهم، مع أن التحقيق الذي لا شك فيه:
أن كل ذلك لا فائدة فيه، ولا طائل تحته، وأن العرب تطلق الإذاقة على الذوق وعلى غيره من وجود الألم واللذة، وأنها تطلق اللباس على المعروف، وتطلقه على غيره مما فيه معنى اللباس من الاشتمال. كقوله: {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ}، وقول الأعشى: إذا ما الضجيع ثنى عطفها تثنت عليه فكانت لباسا
وكلها أساليب عربية. ولا إشكال في أنه إذا أطلق اللباس على مؤثر مؤلم يحيط بالشخص إحاطة اللباس، فلا مانع من إيقاع الإذاقة على ذلك الألم المحيط المعبر باسم اللباس. والعلم عند الله تعالى.) انتهى [
ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[04 Feb 2004, 09:00 م]ـ
• قال ابن عاشور: (وقد تصفحت أسباب النزول التي صحت أسانيدها فوجدتها خمسة أقسام:
¥