تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وكنت قد حاولت ربط الترف بالواقع من خلال فهم أسباب الترف و مظاهره و علاجه، من خلال القرآن و ربط ذلك بالواقع فكان من أهمِّ تلك المظاهر التي ذكرتها ووجدت المفسِّرين قد أشاروا إلى كثير منها؛ وحيث إن الترف ظاهرةٌ متمِّيزةٌ لدى الأغنياء و الفقراء فلقد صوَّرت لنا الآيات في سورة يوسف بعض مظاهر الترف غير المألوفة في الأزمان السابقة سوى العلية من القوم و الطبقة الراقية منهم كما جاء في الآيات التالية يقول الله I ] وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ {30} فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ {3} قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ {32} [، يتجلى في هذه الآيات الكثير من الكماليات التي يسعى إليها المترفون؛ وقد يحصلُ بعضها لهم نظراً لطبيعة الطبقية التي يعيشونها والمجتمع الذي يتعاملون معه دون أن يبحثوا عنها، وقد تأتي بعد إجهاد المرء نفسه للكماليات على حساب الواجبات والمستلزمات الضرورية، لكن المجتمع لا يرحمه – في نظره -!!

فتلك القصة في ذكر امرأة العزيز توضح بعض اللمحات وتكشف النقاب عن كثيرٍ من الهنات لدى المترفين - آمالاً وأعمالاً - في القصور:

يقول سيد قطب رحمه الله ص 1984 – 1985 (لقد أقامت مأدبة في قصرها. وندرك من هذا أنهن كن من نساء الطبقة الراقية. فهن اللواتي يدعين في القصور. وهن اللواتي يؤخذن بهذه الوسائل الناعمة المظهر. ويبدو أنهن يأكلن وهن متكئاتٍ على الوسائد والحشايا على عادة الشرق في ذلك الزمان. فأعدت لهن هذا المتكأ. وآتت كلَّ واحدةٍ منهن سكيناً تستعملها في الطعام – ويؤخذ من هذا أن الحضارة المادية في مصر كانت قد بلغت شأواً بعيداً، وأن الترف في القصور كان عظيماً؛ فإن استعمال السكاكين في الأكل قبل هذه الآلاف من السنين له قيمته في تصوير الترف والحضارة المادية – وبينما هنّ منشغلاتٍ بتقطيع اللحم أو تقشير الفاكهة؛ فاجأتهنَّ بيوسف .... ثم قالت قولة المرأة المنتصرة، التي لا تستحي من بنات جنسها وطبقتها، والتي تفخر عليهن بأن هذا في متناول يدها ... ).

وقد ندرك الترف في بعض الصور منها: أنها أرسلت غيرها بالدعوة إيغالاً في السلطة وتميزاً بين نساء الطبقة، ولإثبات القدرة والسيطرة على الأمور، وأنهن لا يزلن في عداد طبقتها ولم تكن شاذةً عنهن بارتكابها هذا الخطأ!!

ومنها: أن أعدت لهن المتكئات يقول الألوسي رحمه الله 7/ 342، (أي ما يتكئن عليه من النمارق والوسائد كما روي عن ابن عباس وهو من الإتكاء: الميل إلى أحد الشقين ... وروي عن الحبر - أيضاً - أن المتكأ: مجلس الطعام لأنهم كانوا يتكؤن كعادة المترفين المتكبرين)، والتي لا توجد هذه – في الغالب - إلا في بيوت الطبقة الأرستقراطية آنذاك وبعده، وأعطت كلّ واحدةٍ من أولاءِ النسوة سكيناً مع كثرة الأكلة ووفرة أصناف الطعام ومع ذلك فالسكاكين والمتكئات متوفرة، واعتمدت كذلك على عنصر المفاجأة] اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ [مما يؤكد أن العدد كبير والفرصة مواتيةٌ لدخوله؛ لاكتمال العدد!!

ومنها: التبجح في ارتكاب المنكر وإضماراً للشر وتبييتاً له] وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ {32} يقول سيد قطب رحمه الله ص 1980: (فهذه البيئة التي تسمح بهذا. وذلك بيئةٌ خاصةٌ؛ هي بيئة الطبقة المترفة دائماً).

ومنها: ضعف الغيرة في مواجهة الخيانات الزوجية فهنا كما يقول سيد رحمه الله ص 1983: (تبدو لنا صورة من " الطبقة الراقية " في الجاهلية قبل الآف السنين وكأنها هي هي اليوم شاخصةٌ: رخاوةٌ في مواجهة الفضائح الجنسية؛ وميلٌ إلى كتمانها عن المجتمع، وهذا هو المهم كله).

وأحب إلى أشيد بما ذكرته من الحاجة إلى ربط الآيات بالواقع و الحياة التي يعيشها الناس فكلام الله ليس مقصوراً

على طائفةٍ أو زمن و الله المستعان

و الله يتولى الجميع بحفظه و توفيقه

محبك عبد الله

ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[01 Jun 2005, 12:03 ص]ـ

ومن أمثلة ذلك ما ذكره الشنقيطي أيضاً عندما ذكر أصول الاقتصاد في الإسلام عند تفسيره لقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} (الفرقان:67)، فقد قال بعد كلام مهم يحسن الرجوع إليه في أضواء البيان:

(ولا شكّ أنه يلزم المسلمين في أقطار الدنيا التعاون على اقتصاد يجيزه خالق السم?وات والأرض، على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ويكون كفيلاً بمعرفة طرق تحصيل المال بالأوجه الشرعية، وصرفه في مصارفه المنتجة الجائزة شرعًا؛ لأن الاقتصاد الموجود الآن في أقطار الدنيا لا يبيحه الشرع الكريم، لأن الذين نظموا طرقه ليسوا بمسلمين، فمعاملات البنوك والشركات لا تجد شيئًا منها يجوز شرعًا، لأنها إما مشتملة على زيادات ربوية، أو على غرر، لا تجوز معه المعاملة كأنواع التأمين المتعارفة عند الشركات اليوم في أقطار الدنيا، فإنك لا تكاد تجد شيئًا منها سالمًا من الغرر، وتحريم بيع الغرر ثابت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، ومن المعلوم أن من يدّعي إباحة أنواع التأمين المعروفة عند الشركات، من المعاصرين أنه مخطىء في ذلك، ولأنه لا دليل معه بل الأدلّة الصحيحة على خلاف ما يقول، والعلم عند اللَّه تعالى?.)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير