بل الواجب الذي لا مرية فيه، هو محاولة تعريفها تعريفاً مطابقاً للحق الذي نراه؛ لأن الذين وضعوها وكتبوها في كتبهم ومصنفاتهم وضعوها وضعاً مطابقاً لحق رأوه، لا نخالفهم نحن في جوهره، وإن خالفناهم في وجوه النظر التي أوجبت عليهم وضع هذه الألفاظ. ما دام مجاز اللغة قادراً على تعريف اللفظ تعريفاً يرفع أسباب الاختلاف، ويسير بنا جميعاً على طريق مستتب؛ فلا معنى لإبطال ما استقر عليه الكتاب والعلماء من التعبير عن الجوهر المتفق عليه.) انتهى المراد نقله.ص18 - 19
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[04 Jul 2006, 05:50 م]ـ
رجعتُ بعد مدة طويلة لهذا الموضوع هذا اليوم (الثلاثاء 8/ 6/1427هـ)، وكنت طرحته (يوم الإثنين 4/ 12/1424 هـ)، أي قبل سنتين ونصف، فقرأته وقرأت تعقيبات الزملاء النبلاء عليه، فانتفعتُ بها كثيراً جزاكم الله خيراً. وسأجعل تعقيبي في نقاط:
الأولى: أن بحث الدكتور بشار عواد قد تم نشره في مكتبة الموقع وتجده كاملاً على هذا الرابط البيان في حكم التغني بالقرآن ( http://tafsir.org/books/open.php?cat=86&book=911).
الثانية: أن لفظة المعجزة ومشتقاتها اصطلاحية حادثة، وقد أجاد أبو مجاهد بنقله لكلام العلامة محمود شاكر رحمه الله في هذا، والتشدد في مثل هذا لا مسوغ له، ومثل ذلك كثير من الاعتراضات على بعض التعبيرات والنهي عن بعض الألفاظ دون دليل قاطع، ومثل ذلك ما في كثير من محتويات ما صنف تحت اسم "معاجم الأخطاء الشائعة".
الثالثة: أن الخشوع في التعبد لله سبحانه وتعالى، والمداومة على الذكر وتلاوة القرآن تعين على تدبر معانيه والتأثر بها، وفي ما نقل من مقالات حول ذلك ما يثري هذا الجانب.
الرابعة: أن تحسين الصوت بالقرآن مطلوب شرعاً بقدر الوسع والطاقة دون تكلف وتنطع، وهذا باب من أبواب البحث في كتب تجويد القرآن الكريم، وأحسب من أوجه التحسين تقليد ومحاكاة القراء المجيدين ذوي الأصوات الحسنة حتى يتدرب القارئ على تحسين الصوت، وأحسب هذه المحاكاة ضرورية في كل فن ومهارة كالتلاوة وتحسين الخط وغيرها، فهي تقوم في أول أمرها على المحاكاة للنماذج المتميزة، حتى يستقل المتعلم بمهارته وطريقته الخاصة في ذلك الفن والعلم.
الخامسة: ومما يدخل تحت النقطة السابقة ما يتعلق بعذوبة الصوت، فلا شك أنها نعمة من الله سبحانه وتعالى يمن بها على من يشاء من عباده، فمن استعملها في طاعة الله فهي محمودة، ومن استعملها في المعصية فلا شك في ذمه. إلا أنها نعمة يرجوها المسلم ليقرأ بصوت عذبٍ ينتفع به أولاً وينتفع به من يسمعه ثانياً، وكم من مقرئ يستوقفك لاستماع القرآن وتدبره، فتدعو له وتغبطه على عذوبة صوته، وبلاغة تأثيره. نسأل الله من فضله، وكم من مرة أفتح فيها إذاعة القرآن الكريم فيستوقفني صوت القارئ وجماله فلا أدعه حتى ينتهي، ولو اضطررت للبقاء في سيارتي حتى ينتهي من تلاوته، والتأخر عما ذهبت من أجله من أمور الدنيا، ومثلها قناة المجد للقرآن الكريم جزاهم الله خيراً.
السادسة: أما الأدوية المساعدة على تحسين الصوت فلا أعرفها، ولكن حدثني أخي الكريم الدكتور عماد زهير حافظ عن تجربة مرت به عندما كان يسجل رواية حفص في مجمع الملك فهد بالمدينة النبوية، وتوقفه عن التسجيل عارض ألمَّ به أوقفه عن التسجيل، مما جعله يختلفُ إلى طبيب متخصص في الصوتيات، فساعده الطبيب ببعض التدريبات، ولا شك أن هذه التدريبات على استعادة الصوت بعد فقده أو مرضه ليست هي ما تعنيه بالأدوية المساعدة على تحسين الصوت السليم، ولكن لعل هؤلاء المتخصصين يملكون جواباً على هذا السؤال، كما أن هناك أدوية لتحسين الحفظ، فربما يكون هناك مثلها للصوت، وفي تراجم بعض المقرئين المعاصرين كعبدالباسط عبدالصمد رحمه الله وغيره بعض الأفكار في كيفية محافظتهم على نقاوة أصواتهم.
السابعة: في قولي: (ولا سيما إذا كان صوت القارئ ندياً، يستوقف العجلان المستوفز كما قال ابن الرومي!) إشارة إلى ثلاثة أبيات للشاعر علي بن الرومي هي أحسن ما سمعتُ وقرأتُ في وصف حسن الحديث، وجمال المنطق، وهي قوله:
وحديثُها السِّحرُ الحلالُ لو اْنَّهُ = لم يَجْنِ قتلَ المُسلمِ المُتحرِّزِ
إنْ طالَ لم يُمللْ وإِن هىَ أَوجزتْ = وَدَّ المُحدَّثُ أَنَّها لم تُوجِزِ
شَرَكُ العُقولِ، ونُزهةٌ ما مثلُها= للمُطمئنِّ وعُقْلَةُ المُستَوفِزِ
والشاهد البيت الأخير حيث وصف حديثها العذب لجماله بثلاث صفات:
الأولى: أنه (شَرَكٌ للعُقولِ) أي فخ تقع فيه العقول لروعته وجماله الأَخَّاذ.
الثانية: أنه (نزهة للمطمئن) أي أنه يشبه الحديثة الغناء التي ينتجعها الرجل المطمئن رخي البال، فيسعده جمالها.
الثالثة: أنه (عُقْلَةٌ للمستوفز) والمستوفز هو الرجل المستعجل، المتهيؤ للقيام من المجلس، لكن هذا الحديث العذب أشبه العقال الذي عقل رجله وركبته عن القيام، كما يعقل البعير فلا يستطيع القيام من مبركه. ولعمري لقد أجاد ابن الرومي في وصفه لحديث محبوبته وجماله، وقل أديب متقدم أو متأخر ممن جاء بعد ابن الرومي إلا واحتفى بأبياته هذه، وأحلها محل الصدارة في وصف الحديث العذب.
الثامنة: حاولتُ في لقاء سجلته في حلقتين عن (إعجاز القرآن) بقناة المجد العلمية مع الأخ الكريم معمر العمري تنبيه الباحثين إلى نقاط مهمة في الإعجاز البياني خاصة، نبه إليها الدكتور محمد عبدالله دراز، والأستاذ محمود شاكر، ومن قبلهم عبدالقاهر الجرجاني، وأرجو أن أكون وفقت في ذلك، فنحن اليوم في حاجة ماسة للعودة بالذوق العربي إلى عهوده الأولى التي كانت تهتز للبيان، وتخضع للبلاغة كما كان في عصر نزول الوحي. والله الموفق سبحانه، لا إله غيره، ولا رب سواه.
¥