تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثالثا- إن هدف الاحتكام إلى مسألة الداعي فيما أفهمه هو إلزام المعتزلة الاعتراف بمسألة القدر الإلهي في فعل العبد لأنهم إذا كانوا لا يعترفون بخلق الله لفعل العبد – معارضين بذلك رأي الأشاعرة- فلا أقل من الاعتراف بأن الداعية المرجحة لاختيار الفعل هي من الله وعندئذ يتم انتزاع الاعتراف منهم بما سبق أن أنكروه

فهذا هو هدف مسألة الداعي وليس انتصارا للقول بالجبر.

فما رأيكم؟

بارك الله فيكم

ـ[رأفت المصري]ــــــــ[27 May 2009, 02:02 م]ـ

الدكتور الفاضل أحمد الخطيب حفظك الله وسدّدك ..

وشكر لك ما عرّجتَ عليه من مسائل، فأجدت وأفدت، وقد فرحتُ بما تفضّلتم به علينا من المداخلةِ الدقيقةِ التي تكشفُ عن تحرِّي الدّقة في منهجكم العلميّ، ومراعاة الأصول المعتبرة عند أهل العلم في الحكم على الأقوال والأشخاص، والنسبة بينهما، وبعد:

فلا بدّ من بيان الآتي فيما يخصّ مسألتنا – مع مراعاة حرصي على عدم تغيير مسار الموضوع عمّا أراده أخونا الشيخ المنصور حفظه الله -:

أنّ العادة التي اعتادها أهل العلم أن يَنسبوا من كان فيه ميلٌ نحو اتّجاه ما من اتجاهات الاعتقاد إلى ذلك الاعتقاد، وهذا كثيرٌ، ومن أمثلته: تسميةُ المعتزلة بالجهميّة، اعتباراً بما فيهم من الميل إلى نفي الصفات إلى نحو ما قاله الجهم؛ مع مخالفتهم له في بعض الوجوه.

وكذلك المسألة التي بين أيدينا، حيث نسب المعتزلة إلى القدر – حتى في كلام الرازي نفسه – كما سيأتي البيان – وذلك لأن فيهم ميلاً نحو ذلك، وإن لم يكن قول المعتزلة هو قول القدريّة المحض.

وكذلك الكلام في نسبة الإمام الرازي إلى الجبر، فإنّ ميله رحمه الله إلى عقيدة الجبر واضحٌ في تفسيره كوضوح الشمس في رابعة النهار، بل إنه هو من ينسبُ نفسه إلى الجبر، وينتصر له انتصاراً مؤزّراً في كلٍّ من المواطن التي لها تعلّقٌ أو ليس لها تعلّق بهذه المسألة، ويَنسبُ كذلك القول بالجبر إلى أهل السنّة، مع بيانِ أنّه لا يعني في كلّ ذلك الجبر المحض.

وأنا لا أُنكر أنّ هذا مبرَّرٌ بانغماسه واستغراقه في مناظرة المعتزلة، بل أعتذر له بذلك، وأوافقكم على ما تفضّلتم به وأسوق بين أيديكم – حفظكم الله – شيئاً من النصوص التي تدلّ على المذكور، منها:

ما ذكره عند تفسيره لقوله الله تعالى: (اهدنا الصراط المستقيم)، حيث قال:

"أن المنهج الحق في الاعتقادات وفي الأعمال هو الصراط المستقيم أما في الاعتقادات فبيانه من وجوه: (الأول): أن من توغل في التنزيه وقع في التعطيل ونفي الصفات ومن توغل في الإثبات وقع في التشبيه وإثبات الجسمية والمكان فهما طرفان معوجان والصراط المستقيم الإقرار الخالي عن التشبيه والتعطيل (والثاني): أن من قال فعل العبد كله منه فقد وقع في القدر ومن قال لا فعل للعبد فقد وقع في الجبر وهما طرفان معوجان والصراط المستقيم إثبات الفعل للعبد مع الإقرار بان الكل بقضاء الله.اهـ.

حيث نصّ ههنا أن الجبر المحض هو طرفٌ معوجّ كما هو الحال بالنسبة إلى القدر المحض.

إلا أن ميله نحو الجبر يظهرُ في مواطن أخرى بشكلٍ قويّ؛ فيرجّح طرف الجبر مراراتٍ أخرى في مواضع عديدة، فيقول مثلاً عند تفسير قوله تعالى: {ختم الله على قلوبهم وعلى ..... }:

"وبالجملة فهذه المسألة من أعظم المسائل الإسلامية وأكثرها شعباً وأشدها شغباً، ويحكى أن الإمام أبا القاسم الأنصاري سئل عن تكفير المعتزلة في هذه المسألة فقال: لا، لأنهم نزهوه، فسئل عن أهل السنة، فقال: لا، لأنهم عظموه، والمعنى: أن كلاً الفريقين ما طلب إلا إثبات جلال الله وعلو كبريائه، إلا أن أهل السنة وقع نظرهم على العظمة فقالوا: ينبغي أن يكون هو الموجد ولا موجد سواه، والمعتزلة وقع نظرهم على الحكمة فقالوا: لا يليق بجلال حضرته هذه القبائح.

وأقول: ههنا سرٌّ آخر، وهو أن إثبات الإله يلجئ إلى القول بالجبر، لأن الفاعلية لو لم تتوقف على الداعية لزم وقوع الممكن من غير مرجّح، وهو نفي الصانع، ولو توقفت لزم الجبر.

وإثبات الرسول يلجئ إلى القول بالقدرة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير