ـ[رأفت المصري]ــــــــ[30 May 2009, 10:59 م]ـ
جزاكم الله خيراً على مثل هذا الإثراء البديع، الذي تتقاطر مداخلاته بل تسيل من الفوائد والفرائد ما تنتظم به أجمل العقود البهيّة، وبعد:
فلي تعليق على سؤال الدكتور المنصور حول التعجيب، وقد تقدَّم فضيلة الدكتور الخطيب فارسِ هذه الحلبة؛ ليخط أجود الإجابات، بأجمل العبارات، إلا أنني أضيف زيادة على الموضوع على سبيل إثرائه، فأقول:
تنوّعت ألفاظ المفسّرين في هذه التعابير، ولا بدّ من الإشارة إلى السياق الذي يردُ فيه هذا اللفظ، وهو بيانُ الغرضِ من بعض الاستفهامات القرآنية، كمثل قول الله تعالى: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب .. )، وقوله تعالى: (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أُنزل إليك وما أنزل من قبلك .. )، وقوله تعالى: (ألم تر إلى الذين تولّوا قوماً غضب الله عليهم .. )، حيث يقول المفسّرون عند مثل هذه الآيات في بيان غرض الاستفهام: الاستفهام للتعجّب.
ثم إن عدداً من المفسّرين رأوا أن إسناد العجب - الذي هو استعظامٌ في النفس، كما أشار فضيلة الدكتور الخطيب - إلى الله تعالى مُحال، فعدلوا عن التعبير بهذا اللفظ إلى لفظٍ آخر يتحاشون فيه ما فرّوا من إثباته، فتركوا التعبير بالتعجب إلى التعبير بالتعجيب، فقالوا: الاستفهام للتعجيب، بمعنى: أن العجب ليس هو من الله تعالى، وإنما الله تعالى يعجّب نبيّه ثم السامعين من حال هؤلاء المذكورين في الآيات.
لكن الصّحيح أنه لا داعي للفرار من نسبة العجب إلى الله تعالى، فقد ورد في الأحاديث الصحيحة من قول النبيّ صلى الله عليه وسلّم، إلّا أن سبيل اعتقاد مثل هذه الأحاديث على مذهب السلف هو اعتقاد ظواهرها بعيداً عن تشبيه الخالق بالمخلوق، (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)، فنقول:
نثبت لله ما أثبته له نبيّه صلى الله عليه وسلّم على هيئة لائقةٍ بالله تعالى، فالعجب المقتضي استعظاماً في النفس إنما هو عجبُ المخلوق، ولا يُشترط أن يكون كذلك في حقّ الخالق سبحانه.
وعليه؛ فلا ضير في التعبير بالتعجّب أو التعجيب طالما احتفّ ذلك بالمذكور، والله أعلم.
ـ[أبو العالية]ــــــــ[31 May 2009, 12:54 ص]ـ
الحمد لله، وبعد ..
هذا موضوع شيق لكنه مضني، ويصلح بكل جدارة لأطروحة عالية عالمية، تكتب تحت عنوان: (مصطلحات التفسير وعلوم القرآن) أو قل ما شئت في العنوان.
ولعله يستلزم الفارس في هذا الميدان أن يستقرأ كتب التفسير وعلوم القرآن، وأن يكون طويل باع في العلوم، وعلى سعة كبيرة من ذلك مع فهم وربط بين هذه المصطلحات بعضها البعض والمقارنة بينها وبين استخدامها في فنون أخرى غير التفسير.
لكن شريطة ذلك أن لا يكون البحث مجرد جمع، لا بل بتحريرات ونظرات فاحصة، وفي ظني لو عمل هذا العمل لكان مرجعاً كبيراً ومميزاً لطلبة الدراسات العليا.
فاللهم وفق من يقوم به خير قيام. وانفعنا به.
ـ[الخطيب]ــــــــ[02 Jun 2009, 10:20 م]ـ
الأخ الشيخ رأفت المصري
وجزيت أنت كذلك بكل خير والله أسأل أن يزيدك وَعيًا وفهما
أخانا الكريم أبا العالية
شرف الموضوع بمروركم وأفيدكم بأن لي كتابا رتبت مواده على حروف المعجم وأنا الآن بصدد نشره ولعله أن يلبي الحاجة التي أشرتم إليها
ثم نعود إلى مصطلحات القوم فنقول: إن من المصطلحات التي يطرحها المفسرون مصطلح المشاكلة
والمشاكلة: مفاعلة من قولهم: شاكله مشاكلة إذا ماثله ووافقه.
وفي اصطلاح علماء البلاغة: هي ذكر الشىء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته تحقيقا أو تقديراً.
ومثال ما وقع في صحبته تحقيقا قوله تعالى: {تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك} (المائدة: 116)
وكذا قوله تعالى: {وجزاء سيئة سيئة مثلها} (الشورى: 40) لأن الجزاء على السيئة هو حق وليس بسيئة ومنه أيضا قوله تعالى: {إنما نحن مستهزئون * الله يستهزىء بهم} (البقرة: 14)
ومثال التقديري قوله تعالى: {صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة} (البقرة: 138) أي: تطهير الله، لأن الإيمان يطهر النفوس، والأصل فيه أن النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمونه: المعمودية أو ماء التعميد ويقولون: إنه تطهير لهم، فعبر عن الإيمان بصبغة الله للمشاكلة بهذه القرينة كذا في معترك الأقران للسيوطي.
¥