تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقريباً منه قول أبي عبد الله القرطبي: «توبة كل من شاهد ذلك (يعني طلوع الشمس من مغربها) أو كان كالمشاهد له مردودة ما عاش؛ لأن علمه بالله تعالى وبنبيه صلى الله عليه وسلم وبوعده قد صار ضرورة؛ فإن امتدت أيام الدنيا إلى أن ينسى الناس من هذا الأمر العظيم ما كان، ولا يتحدثون عنه إلا قليلاً، فيصير الخبر عنه خاصاً وينقطع التواتر عنه؛ فمن أسلم في ذلك الوقت أو تاب قُبلَ منه». (22)

وأيّد ذلك:

1 - بما رُوي: «أن الشمس والقمر يكسيان بعد ذلك الضوء والنور، ثم يطلعان على الناس ويغربان كما كانا قبل ذلك». (23)

2 - وبما رُوي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أنه قال: «يبقى الناس بعد طلوع الشمس من مغربها مائة وعشرين سنة حتى يغرسوا النخل». (24)

3 - وبما رُوي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: «لا يقبل الله من كافر عملاً ولا توبة إذا أسلم حين يراها إلا من كان صغيراً يومئذ؛ فإنه لو أسلم بعد ذلك قُبِل ذلك منه، ومتى كان مؤمناً مذنباً فتاب من الذنب قُبِلت منه». (25)

4 - وبما رُوي عن عمران بن حصين رضي الله عنه أنه قال: «إنما لم يقبل وقت الطلوع حتى تكون صيحة فيهلك كثير من الناس، فمن أسلم أو تاب في ذلك الوقت وهلك لم يقبل منه، ومن تاب بعد ذلك قُبِلت منه». (26)

ونقل الحافظ أبو زرعة عن شيخه البلقيني أنه قال: «إذا تراخى الحال بعد ذلك، وبَعُدَ العهد بهذه الآية، وتناساه أكثر الناس قبلت التوبة والإيمان بعد ذلك؛لزوال الآية التي تضطر الناس إلى الإيمان». (27)

ونقله عن البلقيني: الإمام الآلوسي، ومال إليه وأيده. (28)

وعورض هذا القول: بأن لا دليل عليه، وبأن الأخبار الصحيحة تخالفه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ». (29) فمفهومه أن من تاب بعد ذلك لم تقبل منه. (30)

وقد ساق الحافظ ابن حجر عدة آثار تدل على أن الشمس إذا طلعت من مغربها أغلق باب التوبة ولم يفتح بعد، ثم قال: «فهذه آثار يشد بعضها بعضاً، متفقة على أن الشمس إذا طلعت من المغرب أغلق باب التوبة ولم يفتح بعد، وأن ذلك لا يختص بيوم الطلوع، بل يمتد إلى يوم القيامة». (31)

المذهب الثاني: الترجيح بين الأحاديث:

فقد ذهب الإمام أبي العباس القرطبي إلى أن ذكر الدجال مع الطلوع والدابة وهم من بعض الرواة، وأن التكليف لا يرتفع إلا بطلوع الشمس من مغربها، كما دلت عليه بقية الأحاديث. (32)

المبحث الخامس: الترجيح:

لا شك أن مذهب الجمع بين الأحاديث هو المتعين في هذه المسألة، فيحمل حديث أبي هريرة على المعنى الوارد في بقية الأحاديث، والتي اقتصرت على تفسير الآية بطلوع الشمس من مغربها.

ويكون معنى حديث أبي هريرة: أن عدم قبول التوبة مترتب على مجموع الثلاث – الدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها - فإذا اجتمعت الثلاث انقطعت التوبة، وطلوع الشمس هو آخرها، وهو الذي يتحقق به عدم القبول.

وهذا القول هو الذي تجتمع به الأدلة، ويزول به الإشكال، إن شاء الله تعالى.

ويمكن تلخيص المسألة وحصرها في خمسة فروع:

1 - أن المراد بـ «البعض» في الآية هو طلوع الشمس من مغربها فقط، دون غيرها.

2 - أن التوبة لا تنقطع إلا بطلوع الشمس من مغربها.

3 - أن طلوع الشمس من مغربها هو آخر الآيات الثلاث المذكورة في حديث أبي هريرة.

4 - أن زمن عيسى - عليه السلام - يعقب الدجال.

5 - أن زمن عيسى - عليه السلام - فيه خير كثير، دنيوي وأخروي، والتوبة والإيمان مقبولان فيه.

وسأذكر من الأدلة ما يؤيد كل فرع، مع ذكر الإيرادات والاعتراضات، والجواب عنها.

أولاً: الأدلة على أن المراد بـ «البعض» في الآية هو طلوع الشمس من مغربها فقط، دون غيرها:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير