تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأما الدابة فالأظهر أن خروجها متقدم على طلوع الشمس من مغربها، لكن الزمن الذي بينهن يسير جداً، وليس في هذا القول مخالفة لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه «إِنَّ أَوَّلَ الْآيَاتِ خُرُوجًا طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَخُرُوجُ الدَّابَّةِ عَلَى النَّاسِ ضُحًى». (49)؛ لأن الحديث إنما ذكر الأولية للشمس والدابة معاً، لا للشمس وحدها؛ بدليل قوله في الحديث «وَأَيُّهُمَا مَا كَانَتْ قَبْلَ صَاحِبَتِهَا فَالْأُخْرَى عَلَى إِثْرِهَا قَرِيبًا». (50)، ولو كان مراده صلى الله عليه وسلم في الأولية الشمس دون الدابة لما قال ذلك، ومما يؤكد هذا المعنى أن عبد الله بن عمرو راوي الحديث لم يفهم من الحديث أن طلوع الشمس متقدم على الدابة، حيث وقع منه تردد في الأولية بقوله «وَأَظُنُّ أُولَاهَا خُرُوجًا طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا» (51) وترجيحه لأولية الشمس بناء على اطلاعه على كتب أهل الكتاب، لا أنه سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم، يدل على ذلك أن الراوي عن ابن عمرو قال: «ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَكَانَ يَقْرَأُ الْكُتُبَ وَأَظُنُّ أُولَاهَا خُرُوجًا طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا» (52)، قال الحافظ ابن كثير «وقد ظن عبد الله بن عمرو أن طلوع الشمس متقدم على الدابة، وذلك محتمل ومناسب». (53)

قلت: لكن الذي يظهر تقدم الدابة على الطلوع، والأحاديث الواردة بتقدم طلوع الشمس على الدابة، كلها ضعيفة لا تقوم بها حجة، والله تعالى أعلم. (54)

الإيرادات والاعتراضات على القول بأن زمن الدجال متقدم على طلوع الشمس من مغربها:

الإيراد الأول:

فإن قيل: فما جوابكم عن حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إِنَّ أَوَّلَ الْآيَاتِ خُرُوجًا طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَخُرُوجُ الدَّابَّةِ عَلَى النَّاسِ ضُحًى، وَأَيُّهُمَا مَا كَانَتْ قَبْلَ صَاحِبَتِهَا فَالْأُخْرَى عَلَى إِثْرِهَا قَرِيبًا». (55)

فهذا الحديث صريح بأن طلوع الشمس من مغربها، والدابة، أول الآيات، ويلزم منه أن خروج الدجال متأخر عنهما.

والجواب:

أن الروايات مختلفة في تعيين أول الآيات:

1 - ففي رواية: «أن أولها طلوع الشمس من مغربها». (56)

2 - وفي رواية: «أن أولها نار تحشر الناس إلى محشرهم». (57)

3 - وقيل: أولها «خروج الدجال». (58)

وللعلماء في الجمع بين هذه الأحاديث أقوال:

1 - قال الحافظ ابن حجر: «الذي يترجح من مجموع الأخبار أن خروج الدجال أول الآيات العظام المؤذنة بتغير الأحوال العامة في معظم الأرض، وينتهي ذلك بموت عيسى بن مريم عليه السلام، وأن طلوع الشمس من المغرب هو أول الآيات العظام المؤذنة بتغير أحوال العالم العلوي، وينتهي ذلك بقيام الساعة، ولعل خروج الدابة يقع في ذلك اليوم الذي تطلع فيه الشمس من المغرب ....

قال: وأول الآيات المؤذنة بقيام الساعة النار التي تحشر الناس». (59)

واختار هذا الجمع البرزنجي، حيث نقله عن الحافظ ابن حجر واستحسنه. (60)

2 - ويرى الحافظ ابن كثير: أن طلوع الشمس من مغربها والدابة أول الآيات السماوية التي ليست بمألوفة، وأما خروج الدجال ونزول عيسى عليه السلام، وكذلك خروج يأجوج ومأجوج فكل ذلك أمور مألوفة، وهي من أول الآيات الأرضية.

قال الحافظ ابن كثير – بعد أن أورد حديث عبد الله بن عمرو -: «أي أول الآيات التي ليست مألوفة، وإن كان الدجال ونزول عيسى عليه السلام من السماء قبل ذلك، وكذلك خروج يأجوج ومأجوج، فكل ذلك أمور مألوفة لأن أمر مشاهدته ومشاهدة أمثاله مألوف؛ فأما خروج الدابة على شكل غريب غير مألوف ومخاطبتها الناس ووسمها إياهم بالإيمان أو الكفر؛ فأمر خارج عن مجاري العادات، وذلك أول الآيات الأرضية، كما أن طلوع الشمس من مغربها على خلاف عادتها المألوفة أول الآيات السماوية». (61)

واختار هذا الجمع ابن أبي العز الحنفي. (62)

3 - ويرى الطيبي أن الآيات عبارة عن أمارات على الساعة، إما على قربها، وإما على حصولها؛ فمن الأول: الدجال، ونزول عيسى عليه السلام، ويأجوج ومأجوج، والخسف، ومن الثاني: الدخان، وطلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة، والنار التي تحشر الناس. (63)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير