تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

واختار هذا الجمع المناوي. (64)

4 - ويرى أبو العباس القرطبي أن الأولية في حديث عبد الله بن عمرو المراد بها: أول الآيات الكائنة في زمان ارتفاع التوبة والطبع على كل قلب بما فيه، وعلل ذلك بأن ما قبل طلوع الشمس من مغربها التوبة فيه مقبولة، وإيمان الكافر فيه يصح. (65)

وأما حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ نَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنْ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ». (66) فقد جاء في حديث آخر أنها آخر الآيات؛ فعن حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه قال: «اطَّلَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ فَقَالَ: مَا تَذَاكَرُونَ؟ قَالُوا: نَذْكُرُ السَّاعَةَ، قَالَ: إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ، فَذَكَرَ: الدُّخَانَ، وَالدَّجَّالَ، وَالدَّابَّةَ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ صلى الله عليه وسلم، وَيَأَجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَثَلَاثَةَ خُسُوفٍ: خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنْ الْيَمَنِ تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ» (67).

قال الحافظ ابن حجر: «ويجمع بينهما بأن آخريتها باعتبار ما ذكر معها من الآيات، وأوليتها باعتبار أنها أول الآيات التي لا شيء بعدها من أمور الدنيا أصلاً، بل يقع بانتهائها النفخ في الصور، بخلاف ما ذكر معها فإنه يبقى بعد كل آية منها أشياء من أمور الدنيا». (68)

قلت: ويؤيد هذا الجمع أن حديث أنس روي بلفظ: «وَأَمَّا أَوَّلُ شَيْءٍ يَحْشُرُ النَّاسَ فَنَارٌ تَخْرُجُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ فَتَحْشُرُهُمْ إِلَى الْمَغْرِبِ». (69) حيث لم ينص على أنها أول الآيات، بل فيه أنها أول من يحشر الناس. (70)

ويحتمل أن النار المذكورة في حديث أنس نار أخرى غير المذكورة في حديث حذيفة، فالأولى تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، والثانية تخرج من اليمن فتطرد الناس إلى المحشر الذي هو أرض الشام، فتكون الأولى أول الآيات، والثانية آخر الآيات.

يقوي هذا الاحتمال اختلاف مكان وصفة خروج كل من النارين؛ فالأولى تخرج من المشرق وتسوق الناس إلى المغرب، والثانية تخرج من اليمن وتسوق الناس إلى محشرهم. (71)

وبهذا يتبين أن الحديث الوارد في أن أول الآيات خروجاً طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة، لا ينافي القول بأن أولها خروج الدجال ونزول عيسى عليه السلام، لما علمت من اختلاف الروايات في أول الآيات، ولما ذُكِرَ من أن الأولية في الحديث ليست على إطلاقها، وعليه فلا يصح الاعتراض، والله تعالى أعلم. (72)

الإيراد الثاني:

أن في حديث أبي هريرة رضي الله عنه تقديم طلوع الشمس من مغربها على الدجال، فكيف يقال إن طلوعها آخر الثلاث؟

والجواب: أن هذا الترتيب غير متفق عليه بين رواة الحديث، وتفصيل ذلك:

أن الحديث تفرد به فضيل بن غزوان، وقد روي عن فضيل من أربعة طرق، وفي كل طريق اختلاف في ترتيب الآيات:

الأول: طريق وكيع بن الجراح: وقد اتفق الرواة عنه على الترتيب التالي: طلوع الشمس – والدجال – والدابة.

الثاني: طريق يعلى بن عبيد: وقد اختلف الرواة عنه في الترتيب:

فرواه عبد بن حميد، وإسحاق بن راهويه، والصغاني، بلفظ: الدجال – والدابة – وطلوع الشمس.

ورواه عنه محمد بن عبد الوهاب، بلفظ: طلوع الشمس – والدجال – والدابة.

الثالث: طريق محمد بن فضيل: وقد اختلف الرواة عنه في الترتيب:

فرواه محمد بن العلاء، وعبد الله بن عامر بلفظ: طلوع الشمس – والدجال – والدابة.

ورواه أبو هشام الرفاعي بلفظ: الدابة – والدجال – وطلوع الشمس.

الرابع: طريق إسحاق بن يوسف: ولم يخرجه من هذا الطريق إلا مسلم في صحيحه، ولم يذكر لفظ الحديث، وإنما ذكر هذا الطريق متابعة. (73)

والخلاصة: أن هذه الروايات الواردة في ترتيب الحديث لا يمكن الجزم بأن أحدها هو الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم؛ وإذ الأمر كذلك فلا يصح الجزم بأن طلوع الشمس من مغربها هو أول الثلاث.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير