إبراهيم موسى، وسببه أنّ بن الجزري ذكر في النشر ما يرقّق فرقاً بين كسرة الإعراب وكسرة البناء في ثلاث كلمات بالتحديد وهي {أن أسر} عند من قطع وسكن النون وكذلك {فأسر} عند من قطع ووصل وكذا {والليل إذا يسر} في الوقف على السكون على قراءة من حذف الياء. ولم يتعرّض بن الجزري إلى كلمة {ونذر} لا من قريب ولا من بعيد. وما ذهب إليه بعض أهل الأداء إلى قياس {ونذر} على {فأسر} وأخواتها غير مسلّم به لعدّة أسباب:
أوّلاً: إنّ وجه الترقيق في {ونذر} مخالف للنصوص الصريحة التي مقتضاها تفخيم الراء المتطرفة إلاّ إذا وُجد سبب موجب الترقيق وهو وجود قبل الراء كسر أو ياء ساكنة أو إمالة أو ترقيق وذلك في {بشرر} لورش من طريق الأزرق. قال ابن الجزري رحمه الله في طيّبته:
............................. وفي سكون الوقف فخّم وانصُرِ
مالم تكن من بعد يا ساكنة ..... أو كسرٍ او ترقيقٍ او إمالة
وقال الشاطبيّ رحمه الله تعالى:
وترقيقها مكسورة عند وصلهم ....... وتفخيمها في الوقف أجمع أشملا
ولكنّها في وقفهم مع غيرها .......... تُرقق بعد الكسر أو ما تميّلا
أو الياء تأتي بالسكون ورومهم ........
قال السخاوي في شرح الشطر الثاني من البيت الأوّل: " ........ فإن وقفت عليها بالسكون ولم ترم حركتها وكانت قبلها فتحة أو ضمة نحو {مطر}، و {دُسُر} فخّمت الراء في مذهب الجميع، وهو معنى قوله: " أجمع أشملا " أشار إلى إجماع القراء لأنّ موجب الترقيق معدوم." انتهى كلامه رحمه الله تعالى. وقال الإمام الداني في جامع البيان ص 359: "فإن وَلِيَها فتحة أو ضمة وسواء حال بينهما وبينها ساكن أو لم يَحُل، فالوقف عليها للكلّ بإخلاص الفتح لا غير، وذلك نحو قوله {ألم تَرَ} و {الدُبُر} و {الأمور} و {العُسْر} و {اليُسْر} وما أشبهه ". (المراد من كلام الداني " فالوقف عليها للكلّ بإخلاص الفتح لا غير " أي الوقف بالتفخيم لأنّه يُطلق لفظ الإمالة على الترقيق ويطلق لفظ الفتح على التفخيم في باب الراءات). أقول فإن قطع الداني بتفخيم الراء المتطرفة في نحو {العُسر} و {اليُسر} مع وجود ساكن بينها وبين الضمّ فيكون تفخيمها بعد ضمتين كما في {ونذر} آكد وأولى. وقد نقل الفاسي في شرحه على الشاطبية كلام الداني في كتاب الراءات فقال: " قال الحافظ أبو عمرو الداني في كتاب الراءات: فإن كان ما قبل الراء المكسورة فتحاً أو ضمّاً نحو: {ودُسُر} و {ونَهَر} وقفت بالتفخيم لا غير في مذهب الجماعة " 1/ 477. قال المحقق لكتاب شرح الفاسي على الشاطبية وهو الشيخ المحقق عبد الرازق إبراهيم موسى حفظه الله تعالى عند تعليقه على قول الشاطبي (وتفخيمها في الوقف أجمع أشملا): " أقول إنّ كلمة {ونذر} في سورة القمر تدخل تحت هذه القاعدة فهي مفخّمة بإجماع حال الوقف بناء على ذلك و تفخيمها مجمع عليه إجماعاً شاملاً يشمل ورشاً وغيره كما قال الشارح والناظم وهو المعمول به بين القراء حتّى اليوم ولكن هناك بعض القراء رققوها وأمروا بترقيقها " انتهى كلامه. انظر هامش الكتاب 1/ 477. أقول: فإن ادّعى قوم أنّ التفخيم خاصّ برواية ورش فالجواب: إن كان ورش فخّمها فغيره يُفخّمها من باب أولى لانفراد ورش بترقيق الراءات خلافاً لغيره.
ثالثاً: إنّ وجه الترقيق في {ونذر} مخالف لإجماع أهل الأداء كما قال الشاطبيّ (وتفخيمها في الوقف أجمع أشملا) وكما أشار إلى ذلك السخاوي في شرحه للبيت والداني عند قوله "وقفت بالتفخيم لا غير في مذهب الجماعة".
رابعاً: القياس المعتمد عليه في هذه المسألة قياس غير صحيح كما ذكر الشيخ عبد الرّازق حفظه الله لعدّة أسباب:
السبب الأوّل: أنّ الياء في {يسر} أصلية لأنّها واقعة في لام الكلمة إذ أصلها يسري على وزن يفعل، أمّا الياء في {ونذر} فهي ياء للإضافة زائدة.
السبب الثاني: إنّ الراء في {ونذر} معربة وإنّما كُسِرت لمناسبة ياء المتكلّم عند من أثبتها لكونها معطوفة على {عذابي} ويمكن رفعها في غير القرءان نحو جاء نذرُ فلان، أمّا في {يسر} فهي كسرة للبناء لأنّ الراء في عين الكلمة لا تتغيّر في جميع الأحوال لذا رُقّقت فرقاً بين كسرة البناء وكسرة الإعراب على ما نصّه بن الجزري.
¥