[شيء من منهج ابن جرير في كتاب القراءات]
ـ[أحمد بن فارس السلوم]ــــــــ[23 May 2007, 12:31 ص]ـ
ولد الإمام أبو جعفر بن جرير الطبري آخر سنة 224 أو أول التي يليها، وتوفي يوم السبت لأربع بقين من شوال سنة عشر وثلاثمائة 26/ 10/310هـ.
وقد كان رحمه الله من أوعية العلم، الراسخين فيه.
وله في التدوين جهد مشكور، وعمل مبرور، وقد أثرى المكتبة القرآنية بكتابين مشهورين، كتاب في التفسير وآخر في القراءات.
أما تفسيره فقد قيل انه لم يصنف مثله، بل قال أبو حامد الإسفرايني الفقيه: لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل كتاب تفسير محمد بن جرير لم يكن ذلك كثيراً، أو كلاماً هذا معناه.
وقد نقل ياقوت في معجمه: أن أبا بكر محمد بن مجاهد قال: سمعت أبا جعفر يقول إني أعجب ممن قرأ القرآن ولم يعلم تأويله كيف يلتذ بقراءته؟.
- فقد يكون هذا هو سبب تصديه لتفسير القرآن الكريم -
ثم قال ياقوت في السياق نفسه:
وكتاب التفسير كتاب ابتدأه بخطبة، ورسالة التفسير تدل على ما خص الله به القرآن العزيز من البلاغة والإعجاز والفصاحة التي نافى بها سائر الكلام، ثم ذكر من مقدمات الكلام في التفسير وفي وجوه تأويل القرآن وما يعلم تأويله وما ورد في جواز تفسيره وما حظر من ذلك والكلام في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنزل القرآن على سبعة أحرف) وبأي الألسنة نزل؟ والرد على من قال: إن فيه أشياء من غير الكلام العربي، وتفسير أسماء القرآن والسور وغير ذلك مما قدمه.
ثم تلاه بتأويل القرآن حرفاً حرفاً:
فذكر أقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم من تابعي التابعين.
وكلام أهل الإعراب من الكوفيين والبصريين.
وجملاً من القراءات واختلاف القراءة فيما فيه من المصادر واللغات والجمع والتثنية.
والكلام في ناسخه ومنسوخه وأحكام القرآن والخلاف فيه.
والرد عليهم من كلام أهل النظر فيما تكلم فيه بعض أهل البدع.
والرد عليهم على مذاهب أهل الإثبات ومبتغى السنن إلى آخر القرآن.
- ثم أتبعه بتفسير أبي جاد وحروفها وخلاف الناس فيها، وما اختاره من تأويلها بما لا يقدر أحد أن يزيد فيه بل لا يراه مجموعاً لأحد غيره-
وذكر فيه من كتب التفاسير المصنفة عن ابن عباس خمسة طرق،
وعن سعيد بن جبير طريقين،
وعن مجاهد بن جبر ثلاثة طرق، وربما كان عنه في مواضع أكثر من ذلك،
وعن قتادة بن دعامة ثلاثة طرق،
وعن الحسن البصري ثلاثة طرق،
وعن عكرمة ثلاثة طرق،
وعن الضحاك بن مزاحم طريقين،
وعن عبد الله بن مسعود طريقاً،
وتفسير عبد الرحمن بن زيد أسلم،
وتفسير ابن جريج،
وتفسير مقاتل بن حيان.
سوى ما فيه من مشهور الحديث عن المفسرين وغيرهم،
وفيه من المسند حسب حاجته إليه،
ولم يتعرض لتفسير غير موثوق به، فإنه لم يدخل في كتابه شيئاً عن كتاب محمد بن السائب الكلبي، ولا مقاتل بن سليمان، ولا محمد بن عمر الواقدي لأنهم عنده أظناء والله أعلم أهـ
فهذا النص من أحسن ما قيل في منهج ابن جرير وطريقته في تفسيره على الإجمال والاختصار.
لكن ما ذكر من أنه أتبع تفسيره بالكلام على حروف أبي جاد وشرحها، فهذا غير موجود في التفسير، إنما تعرض لحروف أبي جاد في موضعين – بحسب بحثي في الموسوعة الشاملة –
الموضع الأول: في شرح البسملة مختصراً.
قال: وأما الخبر الذي:-
حدثنا به إسماعيل بن الفضل، قال: حدثنا إبراهيم بن العلاء بن الضحاك،وهو يلقب بزبريق، قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن إسماعيل بن يحيى، عن ابن أبي مُليكة، عمن حدثه، عن ابن مسعود - ومِسْعَرِ بن كِدَام، عن عطية، عن أبي سعيد - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن عيسى ابن مريم أسلمته أمُّه إلى الكتَّاب ليعلِّمه، فقال له المعلم: اكتب "بسم" فقال له عيسى: وما "بسم"؟ فقال له المعلم: ما أدري! فقال عيسى: الباء بهاءُ الله، والسين: سناؤه، والميم: مملكته.
فأخشى أنْ يكون غلطًا من المحدِّث، وأن يكون أراد [ب س م]، على سبيل ما يعلَّم المبتدئ من الصبيان في الكتّاب حروف أبي جاد، فغلط بذلك، فوصَله، فقال: "بسم"، لأنه لا معنى لهذا التأويل إذا تُلي "بسم الله الرحمن الرحيم"، على ما يتلوه القارئ في كتاب الله، لاستحالة معناه على المفهوم به عند جميع العرب وأهل لسانها، إذا حُمِل تأويله على ذلك.
والثاني: في تفسير (ألم)، وقال: فإن قال قائل: فإن"أ ب ت ث"، قد صارتْ كالاسم في حروف الهجاء، كما كان"الحمدُ" اسما لفاتحة الكتاب.
قيل له: لما كان جائزًا أن يقول القائل: ابني في"ط ظ"، وكان معلومًا بقيله ذلك لو قاله أنَّه يريد الخبر عن ابنه أنَّه في الحروف المقطَّعة - عُلم بذلك أنّ"أ ب ت ث" ليس لها باسْم، وإن كان ذلك آثَرَ في الذكر من سائرها.
قال: وإنما خُولف بين ذكر حُرُوف المعجم في فواتح السور، فذُكِرت في أوائلها مختلفةً، وذِكْرِها إذا ذُكرت بأوائلها التي هي"أ ب ت ث"، مؤتلفةً، ليفصل بين الخبر عنها إذا أريد -بذكر ما ذكر منها مختلفًا- الدلالةُ على الكلام المتصل؛ وإذا أريد -بذكر ما ذكر منها مؤتلفًا- الدلالةُ على الحروف المقطعة بأعيانها. واستشهدوا - لإجازة قول القائل: ابني في"ط ظ" وما أشبه ذلك، من الخبر عنه أنه في حرُوف المعجم، وأن ذلك من قيله في البيان يَقوم مقام قوله: ابني في"أ ب ت ث" - برجز بعض الرُّجّاز من بني أسد:
لَمَّا رَأيْتُ أمرَهَا في حُطِّي ... وفَنَكَتْ في كَذِب ولَطِّ ... أَخذْتُ منها بقُرُونٍ شُمْطٍ ... فلم يَزَلْ صَوْبِي بها ومَعْطِي ... حَتى علا الرأسَ دَمٌ يُغَطِّي.
فزعم أنه أراد بذلك الخبر عن المرأة أنها في"أبي جاد"، فأقام قوله:"لما رأيت أمرها في حُطِّي" مقامَ خبرِه عنها أنها في"أبي جاد"، إذْ كان ذاك من قوله، يدلّ سامعَه على ما يدلُّه عليه قوله: لما رأيت أمرَها في"أبي جاد" أهـ.
ولا شك أن هذا ليس هو المقصود بنقل ياقوت: (ثم أتبعه بتفسير أبي جاد وحروفها وخلاف الناس فيها، وما اختاره من تأويلها بما لا يقدر أحد أن يزيد فيه بل لا يراه مجموعاً لأحد غيره).
فهل يكون في نسخ التفسير نقص، أم أن العبارة لا تدل على ذلك؟!
¥