[مقدمة كتابي (لحن القراء)]
ـ[أحمد بن فارس السلوم]ــــــــ[12 Apr 2007, 04:05 م]ـ
لحن القراء
(يبحث هذا الكتاب في تاريخ اللحن وحكمه وسبل التوقي منه)
تأليف:
الدكتور أحمد بن فارس السلوم
عفا الله عنه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الواحد، والصلاة والسلام على النبي الخاتم، وعلى آله وصحبه والتابعين، وعلى تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
ثم الحمد الله القائل (وقرءانا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا) وأخبر عن نفسه الشريفة فقال (ورتلناه ترتيلا) ثم قال في محكم كتابه آمرا نبيه والمؤمنين (ورتل القرآن ترتيلا).
فسبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم، ولا حول ولا قوة إلا به.
أما بعد:
جنبني الله وإياك اللحن في القول والعمل، ورزقني وإياك الإصابة والسداد فيهما، ذلك لأن اللحن هجنة في الشريف، وضعة في المتعلم، ونقص في أجر القارئ.
والمهرة الذين هم مع السفرة الكرام البررة لا يتطرق إليهم اللحن، ويحسنون قراءتهم وأفعالهم.
وهذا الجزء الذي أقدمه لك، وأضعه بين يديك، ينادي على ما فشا في المحاريب من خطأ في إقامة حروف الذكر الحكيم، ويشهر بما انتشر بين عوام القراء من لحن في الأداء لا يحتمل وقوعه، وينبه على ما قد يزل به القرأة مما لا يعرفه إلا الماهرون منهم.
دعا إلى تسطيره شكاية المحاريب من تردد اللحن على جدرانها، وقلق المساجد لقلة المهرة الذين هم رفقاء السفرة الكرام البررة، حتى المساجد الثلاثة التي لا تشد إلا إليها رحال المسلمين فيها من اللحن ما يقلقل القلوب المطمئنة عن طمأنينتها، وينقل النفوس المنشرحة عن انشراحها، فالأئمة يلحنون، والمؤذنون يلحنون، وأقوالنا تلحن، وأفعالنا تلحن، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وكذلك حال القنوات الفضائية والمحطات الإذاعية التي أسست على تلاوة القرآن الكريم ونشره وتبليغه – كثر الله في المسلمين أمثالها – لم يسلم بعض قرائها من هذا اللحن المزعج، الذي هو كالنكتة السوداء في المرآة الصافية.
وكان هذا الموضوع – أعني اللحن في القراءة - قد شغلني جدا منذ زمن، وتأذيت من انتشاره، وتحرجت من كثرة سماعه، وخشيت أن يصبح مألوفا فلا ينكر، وواقعا فلا يتغير، فدعوت الله ورجوته أن ييسر لي كتابة شيء في هذا الباب، ينبه القراء على هذه المسألة، ولو بحثا يسيرا، ولو جملاً قليلة تكون للقراء كالقلادة التي أحاطت بالعنق، وذلك حسبك من القلادة وكافيك، فالحمد لله الذي يسر كتابة هذا الأوراق، ثم الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وكما قيل: " إِذَا اللهُ سَنَّى عَقْد شيءٍ تَيَسَّرَا "
(على أنني سلكت في النهوض بعبئه والعناية بتأليفه وجمعه مذهب أبي زبيد الطائي في قوله:
حَمَّالَ أَثْقَالِ أَهْل الوُدِّ آَوِنَةً أُعْطِيهمُ الجُهْدَ مِنِّي بَلْهَ مَا أَسَعُ)
يدعو هذا البحث إلى إقامة حروف القرآن كما أنزلها البارئ سبحانه وتعالى، إقامة خالية من التنطع، سالمة من اللحن، لا إفراط ولا تفريط، ولا غلو ولا جفاء.
وهذه الإقامة المنشودة لحروف القرآن – يسرها الله لي ولك- مطلب شرعي، وواجب حكمي، كما أنَّ إقامة حدوده مطلب شرعي أسمى، بل إنَّ إقامة الحروف طريق لإقامة الحدود.
قال أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى: تلاوة القرآن حق تلاوته أن يشترك فيه اللسان والعقل والقلب، فحظ اللسان تصحيح الحروف بالترتيل، وحظ العقل تفسير المعاني، وحظ القلب الاتعاظ والتأثر والانزجار والائتمار، فاللسان يرتل والعقل يترجم والقلب يتعظ أهـ
ولأجل ذلك كان من كمال النصح لكتاب الله عز وجل إقامة حروف القرآن وإعرابه على نحوٍ صحيحٍ خالٍ من اللحن والخطأ.
قال العالم الزاهد يحيى بن شرف النووي رحمه الله تعالى: ثبت في صحيح مسلم رحمه الله عن تميم الداري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة" قلنا: لمن؟ قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم".
قال العلماء رحمهم الله: النصيحة لكتاب الله تعالى هي بالإيمان بأنه كلام الله تعالى وتنزيله، ولا يشبهه شيء من كلام الخلق، ولا يقدر على مثله الخلق بأسرهم، ثم تعظيمه وتلاوته حق تلاوته، وتحسينها والخشوع عندها، وإقامة حروفه في التلاوة .. أهـ
¥