دراسة لمضمون نصوص الأئمّة القدامى في كيفية النطق بالإشمام في نحو "قيل" و"سيء"
ـ[محمد يحيى شريف]ــــــــ[04 Feb 2007, 01:14 م]ـ
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألاّ إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله.
مّما أثار انتباهي ولفت نظري كثيراً منذ زمن، موضوع كيفية النطق بالإشمام في نحو {سيء} و {وقيل} وغيرهما من الكلمات المعروفة لدى المتخصصين في علم القراءات، والذي حملني أن أخوض في هذا البحث:
أولاً: الخلاف بين المشايخ في كيفية النطق بهذا النوع من الإشمام فمشايخ مصر والحجاز وغيرهم يقرؤون بحركة مركبة من حركتين ضمّة وكسرة وجزء الضمّة مقدّم وهو الأقلّ وجزء الكسرة هو الأكثر ومن ثمّ تمحضت الياء، وأمّا مشايخ الشام فيقرءون بحركة بين الضمة والكسرة فيخرج صوت الكسرة مشوباً بصوت الضمة من غيرأن ينتهي إلى الضمّ الخالص ويصحب الياء التي بعد هذه الكسرة شيء من صوت الواو ولا فرق في الصوت بين أوائل هذه الأفعال وأوساطها. و كلّ فريق ينكر على الآخر حيث قرأت في دمشق على بعض المشايخ بالوجه الثاني وأنكروا عليّ الوجه الأوّل وقرأت في المدينة النبوية على بعض مشايخها بالوجه الأوّل وأنكروا عليّ الوجه الثاني والأغرب من ذلك هو شدّة الإنكار من الطرفين.
ثانياً: اختلاف عبارات أهل الأداء في تعبيرهم على كيفية النطق بهذا النوع من الإشمام فمنهم من عبّر عنه بإشمام الضمّ كسر أوائلهنّ أوبإشمام الضمّ أوائل هذه الأفعال وهي العبارة المستعملة كثيراً عند القدامى وهذا التعبير يوافق مذهب المصريين والحجازيين وغيرهم على حدّ قولهم. ومنهم من عبّر عنه بأنّه حركة بين الضمّة والكسرة فيخرج صوت الكسرة مشوباً بصوت الضمة ويصحب الياء شيء من صوت الضمة وهو الذي يوافق ما هو عليه مشايخ الشام الآن.
وليس الهدف من هذا البحث الردّ على أحد المذهبين لأنّ كلمة (الردّ) كلمة ثقلية خاصّة في مسألة قد أخذ بها الكبار وتلقوها عن مشايخهم بالسند واستفاضت بين القراء وتناقلها العلماء. ولذلك اُلحّ على أنّ البحث هو مجرّد دراسة لبعض لنصوص الأئمّة المعتبرين الذين يشار إليهم بالبنان من وقتهم إلى الآن ويرجع إليهم ويُعتمد على أقوالهم، فهم أئمّة هذا الفنّ بلا منازع كأبي عمرو الداني ومكي القيسي وأبي علي الفارسي وغيرهم رحم الله الجميع.
وبعد هذا الاستعراض المختصر يظهر جلياً صعوبه هذه المسألة وهو اختلاف المتأخرين من الناحية العملية التطبيقية ولكلّ مذهب من المذهبين نصوص معتبرة والكلّ ينكر على الآخر. وللفصل في هذه المسألة سأقوم بنقل نصوص الأئمّة عليهم رحمة الله تعالى لا يسما النصوص التي شرحت كيفية هذا الإشمام وسأحاول بعد ذلك تبيين المذهب الأقرب إلى ما نصّه القدامى في كتبهم، وأسأل الله التوفيق وهذه النصوص هي كالتالي:
1 - قال ابن الجزري رحمه الله تعالى في نشره وتقريبه " واختلفوا في (قيل وغيض وجيء وحيل وسيق وسيء وسيئت) فقرأ الكسائي وهشام ورويس بإشمام الضمّ كسر أوائلهنّ .... ".
2 – قال أبو عمرو الداني رحمه الله تعالى في كتابه التيسير وكتابه الذي سمّاه (مختصر في مذاهب القراء السبعة بالأمصار): " الكسائي وهشام (قيل) و (غيض) و (جيء) بإشمام الضمّ الأوّل ذلك حيث وقع ". وقال في كتابه التحديد (ص97): " وأمّا الإشمام في قوله (قيل) و (جيء) ونظرائهما على مذهب من أشمّ أوّله الضمَّ دلالة على الأصل فحقّه أن يُنحى بكسرة فاء الفعل المنقولة من عينه نحو الضمة كما يُنحى بالفتحة من قوله (من النار) و (من نهار) وشبههما إذا أريدت الإمالة المحضة نحو الكسرة فكذلك يُنحى بالكسرة إذا أريد الإشمام نحو الضمة لأنّ ذلك كالممال سواء وهذا الذي لا يجوز غيره عند العلماء من القراء والنحويين " وقال في جامع البيان " وحقيقة الإشمام في هذه الحروف أن ينحى بكسر أوائلها نحو الضمة يسيراً دلالةً على الضمّ الخالص قبل أن تعلّ كما ينحى بفتحة الحرف الممال نحو الكسرة قليلاً إذا أراد ذلك ليدلّ على أنّ الألف التي بعد الفتحة منقلبة عن ياء أو لتقرب بذلك من الكسرة وليتها وما عدا ذلك فحقيقته فباطل، والعبارة عن ذلك بالرفع والضمّ كالعبارة عن
¥