تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

مَع ما لإقامة الحروف وتجويد القرآن من أثرٍ بيِّن في تحصيل الخشوع في الصلاة الذي هو من أهم أعمال المصلين، وأول ما يفقد في مساجد المسلمين، فإنَّ القارئَ الماهرَ العارف بمواطن الوقوف، وطريق الحركات والسكنات، ومواضع الألفات والمدات، يتهيأ في الصلاة خلفه من أسباب الخشوع ودواعي الطمأنينة مالا يتهيأ بالصلاة خلف من لا يحسن ذلك، ولا يعرف ما هنالك.

وهل استقرأَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلم إلا البُزْلَ القناعيس مِن أصحابه، وإلا القراء المجودين الماهرين منهم؟

فبكَى لقراءةِ ابن مسعود وهو من رُفعاء القراء، وكُبراء العلماء، وحثَّ على القراءة على نحوِ قراءته، والاتساء بطريقته وتلاوته، وما ذاك إلا لسلامتها وحسنها وطيبها.

وقال صلى الله عليه وسلم – حاثاً على الأخذ عنه وعن أمثاله من القراء الماهرين-: (خذوا القرآن عن أربع .. ).

وفي هذا دليل على علو شأن الماهرين المجودين وتميزهم عما سواهم، مع أنَّ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا عرباً خلصاً، لا يعتريهم اللحن، ولا يتطرق إليهم الخطأ، إلا أنه لما تميز هؤلاء الأربعة بالحفظ والإتقان والمعرفة وحسن الأداء ميزهم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الشرف العظيم، وحسبك بهذا دليل على علو شأن الماهرين بالقرآن، الحافظين له، العارفين به.

والقارئ: يطلق على قارئ كتاب الله بإتقان، ممن استظهره في صدره، وسلم في قراءته من اللحن والخطأ، وعرف مقاطع الوقف والابتداء، وسلمت حروفه ومخارجه من الجور والاعتداء، فإذا انضاف إلى ذلك معرفة بتفسيره وحدوده وأحكامه فذاك الغاية.

انظر إلى قول المصطفى صلى الله عليه وسلم (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) أتظن أن القارئ الذي عناه المصطفى وارتضاه للإمامة في الدين يلحن في قراءته، ويغلط في أدائه، كلا وحاشا، فإنَّ مَنْ كان كذلك حريٌّ أنْ يُؤخَّرَ في الصفوف، ويدفع عن الإمامة.

ثم انظر إلى الخبر الذي رواه البخاري من حديث ابن شهاب الزهري عن عبيدالله بن عبدالله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان القراء أصحاب مجلس عمر رضي الله عنه ومشاورته كهولاً كانوا أو شباباً.

أتحسب أنَّ عمر يستشير من يلحن ولا يحسن يجود القرآن ويخل بإعرابه وإقامة حروفه، وهو الذي قال في اللحن والإعراب ما قال، ولك أنْ تتوهم لو أنَّ أحداً منهم قرأ آية فلحن فيها، أو أخطأ في حرف منها، إذاً كان يجعله نكالاً وعبرة للمسلمين.

وهو الذي ثبت عنه التشديد في القراءة والرواية، على حد سواء، والخبر في ذلك مشهور.

وبعد، فصول هذا الكتاب ثلاثة:

الأول في لحن القراء: وفيه تاريخ اللحن وحكمه وسبل التوقي منه وما ينبغي على القراء الاعتناء به والحذر منه.

الثاني في لحن المؤذنين.

والثالث في لحن الأعمال والأفعال، وهو أشدها وأنكاها.

مبنى هذه الفصول كلها على الاختصار والإيجاز في العبارة، (والحر تكفيه الإشارة).

وهذا الذي تجده في هذا الكتاب من دقيق العلم الذي يحتاج إليه الخاصة، ويصدق فيه وصف الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: من تعلم علما فليدقق فيه لئلا يضيع دقيق العلم.

وأما العوام وأشباههم فليسوا من هذا الباب في شيء.

أسأل الله أن يوفقني وإياك لأعراب كتابه حروفاً وحدوداً، وأن يجنبنا اللحن فيهما، ولا يجعلنا كما قال الأول (أعربت أقوالنا فلم تلحن، ولحنت أفعالنا فلم تعرب).

وألا نكون ذلك الرجل الذي لقيه الزاهد العابد مالك بن دينار رحمه الله، فقال فيه وفي أمثاله: تلقى الرجل وما يلحن حرفاً وعمله كله لحن.

وقال بعض الزهاد: لم نؤت من جهل ولكننا نستر وجه العلم بالجهل نكره أن نلحن في قولنا ولا نبالي اللحن في الفعل.

وأسأله سبحانه أن ييسر لي ولك تحقيق القراءة على ما يحب ويرضى، وأن يجعلنا بالحال التي قال حمزة بن حبيب الزيات رحمه الله تعالى لما طُولب بالتحقيق، وقال له رجل: جئتك لأقرأ عليك التحقيق، فبكى، ثم قال: يا ابن أخي، إنَّ التحقيق صون القرآن، فإن صنته فقد حققته أهـ

اللهم ارزقنا صاينته واتباعه، وأجعلنا من أهله وحفاظه.

على الله توكلت وإليه أنبت وهو حسبي ونعم الوكيل.

وكتب: العبد الضعيف أحمد بن فارس السلوم، في25 من ذي الحجة عام 1426 من الهجرة المباركة، في أطهر البقاع وأزكاها: مكة المكرمة، حرسها الله تعالى.

ـ[فاضل الشهري]ــــــــ[12 Apr 2007, 07:51 م]ـ

جزاك الله خيرا دكتور أحمد ونور بصيرتك

نصيحة طيبة، وجهد مشكور وأرجو أن يتسع صدرك لملحوظة يسيرة حيث بينت أن كلامك هذا هو من باب النصح - ولا

شك عندي في ذلك - ولكن تخصيصك للبعض قد يجرح هذه النصيحة ويبعدها عن القبول حيث قلت وفقك الله:

حتى المساجد الثلاثة التي لا تشد إلا إليها رحال المسلمين فيها من اللحن ما يقلقل القلوب المطمئنة عن طمأنينتها، وينقل النفوس المنشرحة عن انشراحها، فالأئمة يلحنون، والمؤذنون يلحنون، وأقوالنا تلحن، وأفعالنا تلحن، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

كنت أتمنى أن تترك هذه العبارة إذ هي في غير محلها 0

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير