وكان الشاطبي إماما ثبتا، حجة في علوم القرآن، وكان لا يجلس للإقراء إلا على طهارة، وكان يمنع جلساءه من الخوض إلا في العلم والقرآن، وقد توفي الإمام في يوم 28جمادى الآخرة سنة 590هـ، ودفن بمقبرة المقطم بالقاهرة، وقبره معروف يقصد حتى الآن للزيارة (4) والذي يهمنا هنا هو "الشاطبية" وهو نظم بديع لكتاب "التيسير في القراءات السبع" للداني، نظمه تسهيلا لحفظه، وقد ابتدأ نظمه بقوله:
بدأت ببسم الله في النظم أولا
تبارك رحمانا رحيما وموئلا
وثنيت صلى الله ربي على الرضا
محمدالمهدي إلى الناس موئلا
وعترته ثم الصحابة ثم من
تلاهم على الإحسان بالخير وبلا
وثلثت أن الحمد لله دائما
وماليس مبدوءا به أجزم العلا
إلى أن يقول في نظمه وهو يتحدث عن أئمة القرآن:
جزى الله بالخيرات عنا أئمة
لنانقلوا القرآن عذبا وسلسلا
فمنهم بدور سبعة قد توسطت
سماءالعلا والعدل زهرا وكملا
وتتكون هذه القصيدة من ألف ومائة وثلاثة وسبعين بيتاً، أشار إلى ذلك في ختام نظمه بقوله:
وقد وفق الله الكريم بمنه
لإكمالهاحسناء ميمونة الجلا
وأبياتهاألف تزيد ثلاثة
ومعً مائة سبعين زهر وكملا
فهذا الكتاب "الشاطبية" هو عمدة المقرئين للقراءات، فعلم القراءات انحصر السبيل إليه في الشاطبية وشروحها. وقد أشار إليها ابن خلدون في المقدمة بقوله: "فاستوعب فيها الفن استيعابا حسناً، وعني الناس بحفظها وتلقينها للولدان والمتعلمين، وجرى العمل على ذلك في أمصار المغرب والأندلس" (5) ولذلك فلا غرابة أن تقرر المعاهد الأزهرية بالديار المصرية، وكذا المعاهد الدينية في البلاد الإسلامية تدريس متن الشاطبية على طلابها.
وقد تصدى لشرح هذا المتن العديد من علماء القراءات، قديماً وحديثاً لعل أشهرهم من المعاصرين خادم العلم والقرآن الأستاذ عبد الفتاح القاضي، في كتابه المعنون: "الوافي في شرح الشاطبية في القراءات السبع". (6)
"الخراز": واسم الكتاب الكامل هو: "مورد الظمآن في رسم القرآن "، لمحمد بن محمد الأموي الشريشي، الشهير بالخراز، والمتوفى سنة 718هـ/1318 م، وهو عالم بالقراءات أصله من شريش مدينة بالعدوة الأندلسية، وسكناه بمدينة فاس، وكان يعلم الصبيان بها، وتوفي بها ودفن بها، وكان بارعاً في فن الرسم (7) وفن الضبط (8)،له عدة تآليف، من بينها: "مورد الضمآن في رسم القرآن"، وله نظم في الرسم سماه "عمدة البيان"، وله شرح على منظومة ابن بري المسماة: "الدرر اللوامع في أصل مقرأ الإمام نافع"، وله شرح على "الحصرية" ويذكر أن له شرحا على "العقيلة" وكان قد فتح عليه في التأليف وسهل عليه نثره ونظمه (9) و قد ابتدأ الشريشي نظمه بقوله:
و بعد فاعلم أن أصل الرسم
ثبت عن ذوي النّهى والعلم
جمعه في الصحف الصديق
كماأشار عمر الفاروق
وذاكحين قتلوا مسيلمة
وانقلبت جيوشه منهزمة
وهو أرجوزة طويلة تتكون من 608 بيت، خصص منها صاحبها الخراز 454 بيت للرسم، والباقي وهو 154 بيت للضبط.
وقد اشتهر هذا النظم أيّما اشتهار، فدرسه المبتدئون والمنتهون، وقد تحدث ابن خلدون في المقدمة، في الفصل الخامس الخاص بعلوم القرآن من التفسير والقراءات عن الرسم والضبط، وأشار إلى أرجوزة الخراز، وقال عنها "واشتهرت بالمغرب، واقتصر على حفظها، و هجروا بها كتب أبي عمرو، والشاطبي في الرسم" (10) وقد قام بشرحها الكثير، ومن شروحها:
-شرح الإمام محمد التنسي، وقد شرح منها القسم الخاص بالضبط، تحت عنوان: "الطراز في شرح الخراز".
-شرح العلاّمة عبد الواحد بن عاشر، وقد شرح منها القسم الخاص بالرسم، تحت عنوان: "الإعلان بتكميل مورد الضمآن"
-شرح الشيخ إبراهيم بن أحمد المارغيني، والذي سماه "دليل الحيران على مورد الضمآن"، وهو شرح بديع الشأن، كشف عن أسرار النظم، وبين مقاصده، وغيرها من الشروح الأخرى.
"إنشاد الشريد": ولا ننتهي من الحديث عن مراجع الإقراء في الجزائر دون الحديث عن تأليف مهم اشتهر ببلادنا، وهو كتاب: "إنشاد الشريد" لمقرئ بلاد المغرب العربي على الإطلاق في عهده، الإمام محمد بن غازي المكناسي (11).
و نقتصر على ذكر هذه التآليف الثلاثة في فن القراءات التي لا يخلو كتاب من كتب القراءات في الجزائر من ذكرها والاعتماد عليها.
مدارس الإقراء بالجزائر
¥