تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن المسلمين الأوائل حرصوا على صحة السند في القراءة لأنه عن طريقه يستدل بالأحكام الشرعية ويعمل بما تواتر نقله منها، ولذلك ما كانوا يقبلون قراءة أي أحد من القراء إلا إذا ثبت أخذه عمن فوقه بطريقة المشافهة والسماع حتى يتصل الإسناد بالصحابي الذي أخذ القراءة عن النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا التسلسل في الأسانيد هو الذي أدى للقول بأن القراءات توقيفية [31، ج1 ص321] وبناء عليه تنقسم إلى متواترة وغير متواترة.

ومن الفروق أيضًا اختلاف القراءات المتواترة عن الشاذة في الأمور الآتية:

القراءة المتواترة يجب اعتقادها والإيمان بها، ويكفر من يجحد بها بخلاف القراءات الشاذة فإنه يحرم اعتقادها بأنها من القرآن المقروء به المتعبد بتلاوته، بل يكفر من يعتقد أن القراءة الشاذة من القرآن إذا كان على علم بعدم ثبوت سندها، أو علم بمخالفتها لشرط من شروط القراءة المتواترة [10، ج1 ص14].

القراءة المتواترة يتعبد بها في الصلاة وخارج الصلاة بخلاف القراءة الشاذة فإنه لا يقرأ بها لا في الصلاة ولا في خارجها.

أما في بيان حكم القراءة بها في الصلاة يقول ابن الجزري (وأكثر العلماء على عدم الجواز لأن هذه القراءات لم تثبت متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإن ثبتت بالنقل فإنها منسوخة بالعرضة الأخيرة أو بإجماع الصحابة على المصحف العثماني أو أنها لم تنقل إلينا نقلاً يثبت بمثله القرآن أو أنها لم تكن من الأحرف السبعة [10، ج1 ص14 - 15].

فوائد القراءات الشاذة

لا شك أن هنالك حكمًا وفوائد يمكن الحصول عليها من خلال تتبع القراءات الشاذة في مظانها ومنها: [10، ح1، ص14 - 15].

1 - إعظام أجور هذه الأمة حيث يفرغون جهدهم في تتبع القراءات المتواترة من الشاذة لاستعمال كل منهما في مظانه التي جاء من أجلها، وبيان حِكم وأحكام كل من القراءتين.

2 - من الوقوف على القراءات الشاذة يتبين فضل هذه الأمة على غيرها من الأمم لأنهم تلقوا كتاب ربهم بالمشافهة والسماع وحفظوه في الصدور والسطور لنقلهم إياه بالسند يسمعه اللاحق من السابق حتى أتقنوا حفظه وتجويده وضبطوا مقاديره وميزوا شاذه من متواتره بما كان لهم في ذلك مناقب عظيمة، ولمن يأتي بعدهم مفاخر جليلة.

3 - ظهور سر الله في توليه حفظ كتابه وصيانة كلامه المنزل بأوفى تمييز حيث عرفت قراءاته المتواترة والشاذة أو في بيان.

4 - ومنها بيان حكم مجمع عليه كما في قراءة سعد بن أبي وقاص [17، ج8 ص60 - 62] في قوله تعالى: "وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ" [النساء: 12] قرأها (وله أخ أو أخت من أم) بزيادة لفظ ((من أم)) التي دلت على أن المقصود بالأخوات هنا للأم فقط وعليه أجمع العلماء [32، ص82].

5 - ومنها ما يكون لبيان حكم اختلف فيه كقراءة (أو تحرير رقبة) [المائدة: 89] بزيادة لفظ ((مؤمنة)) التي دلت على ترجيح اشتراط الإيمان في الرقبة [10، ج1 ص29].

6 - ومنها دفع ما توهم ما ليس مرادًا، بمعنى أن تأتي القراءة الشاذة فتوضح حكمًا يقتضي الظاهر خلافه كقراءة ((فامضوا إلى ذكر الله)) [5] [الجمعة: 9] فإن القراءة ((فاسعوا)) المتواترة يقتضي ظاهرها المشي السريع، وليس كذلك، فكانت القراءة الشاذة موضحة لذلك رافعة لما يتوهم ومزيلة للإشكال الوارد [10، ج1 ص29] [34، ج1 ص141].

7 - ومنها ما يكون مفسرًا لما لعله لا يعرف، كقوله تعالى "كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ" [القارعة: 5] هذا المتواتر، وفي الشاذ قرئ ((كالصوف)) فبينت القراءة أن العهن هو الصوف [10، ج1 ص29].

8 - ومنها أن تكون القراءة الشاذة مكملة للمعنى الذي ورد في القراءة المتواترة كما في قراءة قوله تعالى: "لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ. . ." [التوبة: 128] قرئ المتواتر ((أنفسكم)) بضم الفاء ومعناها من جنسكم وقرئ الشاذ ((أنفسكم)) بفتح الفاء ومعناها من أشرفكم نسبًا [25، ج5 ص118] [30، ص100] وما جاء في معنى القراءتين من معنى يتحقق في الرسول عليه الصلاة والسلام، وفي معنى القراءتين بيان امتنان الله على العرب بإرسال رسوله إليهم وهو منهم ومن خيارهم وأشرفهم [26، ج1 ص306].

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير