اتفق المفسرون على عدم اعتبار القراءة الشاذة قرآنًا، ولكنهم اختلفوا في الاحتجاج بها في تفسير الآية وبيان معناها على رأيين مختلفين معارض ومؤيد فالذين عارضوا الاحتجاج بالقراءة الشاذة في تفسير بعض الآيات وتجلية معانيها إنما ذهبوا هذا المذهب لأنهم يرون (أن الراوي لم يروه في معرض الخبر بل في معرض القرآن ولم يثبت فلا يثبت) [29، ج1 ص47] قالوا وإذا (بطل كونه قرآنًا بطل من أصله فلا يحتج به على شيء) [36، ج1 ص248 - 249]، وتزعم هذا الرأي المعارض للاحتجاج بالشاذ الإمام الرازي وكذا ابن العربي المالكي.
فكان الرازي يذكر القراءة الشاذة ثم يناقشها ويردها بوضوح ففي قوله تعالى: "لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ" [البقرة: 226] بزيادة لفظ ((فيهن)) بعد ((فإن فاءوا)) قال الرازي: (والصحيح أن القراءة الشاذة مردودة لأن كل ما كان قرآنًا وجب أن يثبت بالتواتر فحيث لم يثبت بالتواتر قطعنا أنه ليس بقرآن وأولى الناس بهذا أبو حنيفة فإنه بهذه الحروف تمسك في أن التسمية ليست من القرآن فالقراءة الشاذة لما كانت مخالفة وجب القطع بفسادها [37، ج3 ص85].
ويقول ابن العربي: (القراءة الشاذة لا ينبني عليها حكم لأنه لم يثبت لها أصل) [38، ج1 ص79] وقد رد العلماء المجيزون للاحتجاج بها على المانعين بقولهم بأنه لا يلزم من التسليم ببطلان كونه قرآنًا التسليم بعدم كونه خبرًا ولذلك (إذا بطل كونه قرآنًا لم يمنع ذلك من الاحتجاج بها كأخبار الآحاد التي ليست بقرآن) [36، ج5 ص249].
يقول القرطبي: (وإن لم يثبت كونه قرآنًا فقد ثبت كونه سنة وذلك يوجب العمل كسائر أخبار الآحاد) [29، ج1 ص47].
أما الفريق الثاني فيرى الأخذ بالقراءة الشاذة إذا أضافت إلى الآية القرآنية معنى نحويًا أو صرفيًا أو جاءت فأكدت معنى ورد في قراءة متواترة [39، ص351]، ويمثل هذا الفريق إمام المفسرين ابن جرير الطبري، والإمام القرطبي، وأبو حيان ومن حذا حذوهم.
ويرى هذا الفريق أن المعنى التفسيري الذي ينتج عن اختلاف القراءات الشاذة الصحيحة السند إن لم يكن من باب تفسير القرآن بالقرآن لعدم الجزم بقرآنيتها من عدمه فإنه يكون من باب تفسير القرآن بالسنة إذا رفع الصحابي القراءة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، وعلى أقل الأحوال فإنه يكون من باب تفسير القرآن بأقوال الصحابة [19، ج1 ص376].
وهذا ما أكده أبو عبيد رحمه الله بقوله: (المقصد من القراءات الشاذة تفسير القراءة المشهورة وتبيين معانيها كقراءة عائشة وحفصة: ((والوسطى صلاة العصر)) [البقرة: 238] وقراءة ابن مسعود ((فاقطعوا أيمانها)) [المائدة: 38]، وقراءة جابر ((فإن الله من بعد إكراههن لهن غفور رحيم)) [النور: 33] قال فهذه الحروف وما شاكلها قد صارت مفسرة للقرآن.
وقد كان يرو مثل هذا عن التابعين في التفسير فيستحسن فكيف إذا روي عن كبار الصحابة ثم صار في نفس القراءة فهو أكثر من التفسير وأقوى فأدنى ما يستنبط من هذه الحروف معرفة صحة التأويل)) [40، ص195].
وعلى هذا فالقراءة الشاذة التي خالفت رسم المصحف وصح سندها إما أن يصرح الصحابي برفعها إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فتكون بمثابة خبر الآحاد المنقول عنه في تفسير القرآن، وإما أن لا يصرح الصحابي برفعها فأدنى أحوالها أن تكون من قول الصحابي في تفسير القرآن.
وبهذا نعلم أن القراءة الشاذة مفيدة في بيان الآية القرآنية خلافًا لمن رأى عدم الاحتجاج بها في مجال التفسير، وعليه فالقول الراجح هو العمل بالقراءة الشاذة التي صح سندها ووافقت العربية وخالفت رسم المصحف، وعليه جماهير العلماء من المفسرين والفقهاء، ذكر ذلك القاضي أبو الطيب، والقاضي حسين، والرافعي وغيرهم تنزيلاً لها منزلة خبر الآحاد وصححه ابن السبكي [41، ج1 ص300 - 301] و [9، ج1 ص228].
موقف الفقهاء من القراءة الشاذة:
لم يخالف أحد من الفقهاء أن التواتر يفيد القطع واليقين بصحته قولاً وعملاً، أما ما لم يتواتر فهو الشاذ الذي لا يسمى قرآنًا، لكن من حيث العمل به والاعتماد عليه في استنباط الأحكام الشرعية العملية اختلف الفقهاء على النحو الآتي:
أولاً: المذهب الحنفي:
¥