تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لا شك أن مصدر القراءات القرآنية هو التلقي والسماع عن النبي عليه الصلاة والسلام كما تقرر ذلك بالأدلة القاطعة التي منها قوله تعالى: "وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً" [الإسراء: 106] وقوله "لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ" [القيامة: 16 - 18].

كما يتضح من حديث عمر وهشام وإقرار النبي عليه الصلاة والسلام لكل منهم بقوله (هكذا أنزلت) ما يؤكد أن القراءات مبنية على التلقي والرواية لا على الرأي والدراية ولا يمكن أن تثبت القراءات إلا بالتوقيف والتلقين والتلقي والأخذ والمشافهة والنقل والسماع [19، ج1 ص96].

وبهذا يعلم أن القراءات منزلة من عند الله تعالى وموحى بها إلى رسوله عليه الصلاة والسلام كما قال: "إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه" [1]، [وانظر 20، رقم 4992].

فالقراءات القرآنية المتواترة هي من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن الكريم وبالتالي مصدرها هو الوحي، وبالتالي القراءات سنة متبعة يأخذها المتأخر عن المتقدم عن النبي عليه الصلاة والسلام.

فما مصدر القراءات الشاذة؟ وهل هي من الأحرف السبعة؟ لم يقل بهذا أحد فيما وقفت عليه من المراجع، فلم يقل أحد أنها من الأحرف السبعة كما لم ينف أحد وجود شئ فيها من ذلك بل كان هناك توقف في هذا الشأن وسبب التوقف لأنّ بعض القراءات الشاذة قد تكون متواترة وشذوذها آت من جهة غير السند، لكن لا يمكن القطع بأن كثيرًا من الصحابة قرءوا القرآن بما يخالف رسم المصحف الذي جمع عليه الخليفة عثمان رضي الله عنه الناس وأمرهم به وذلك لأن الغرض من الجمع لم يكن لإلغاء القراءات الشفوية التي تلقوها من النبي عليه الصلاة والسلام، بل ترك الأمر لكل من أكد على قراءة معينة أنه سمعها من الرسول عليه الصلاة والسلام أن يقرأ بها كما سمعها [19، ج1 ص116].

ولذا يمكن القول بأن من القراءات التي أصطلح على تسميتها بالشاذ ما قرأه الرسول دون القطع بأفراد ذلك وأعيانه لعدم إجماع الصحابة عليه كما ذهب إلى ذلك ابن دقيق العيد بقوله (الشواذ نقلت نقل آحاد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعلم ضرورة أنه صلى الله عليه وسلم قرأ بشاذ منها وإن لم يعين، قال فتلك القراءات تواترت وإن لم تتعين بالشخص فكيف يسمى شاذًا والشاذ لا يكون متواترًا [4، ص20 - 21] و [10، ج1 ص15].

ولا أحد يقطع بقرآنية هذه القراءات الشاذة خاصة بعد وصول القراءات المتواترة مقطوعًا بها، وبعد تحرير أقوال العلماء يتضح (أن القراءة الشاذة ولو كانت صحيحة في نفس الأمر فإنها مما كان أذن في قراءته. . . ثم أجمعت الأمة على تركها للمصلحة وليس في ذلك خطر ولا إشكال لأن الأمة معصومة من أن تجمع على خطأ) [4، ص23 - 24].

وبهذا يمكن القول بأن مصادر القراءة الشاذة تعتمد على ذاكرة الحفظة الذين سمعوها ممن قبلهم، ولم تحظ بالإجماع ولا النقل المتواتر فبقيت شاذة يفاد منها في إثراء اللغة والتفسير والأحكام الشرعية.

وحتى لا يتبادر إلى الذهن ذهاب شئ من القرآن دون حفظ فقد تكفل بحفظ كتابه بنفسه وهيأ له من الرجال الأفذاذ من يقومون بهذا الدور تصديقًا لقوله تعالى: "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ"، (سورة الحجر: 9) ولهذا يقول ابن الجزري (ولما خص الله تعالى بحفظه من شاء من أهله أقام له أئمة ثقات تجردوا لتصحيحه وبذلوا أنفسهم في إتقانه وتلقوه من النبي صلى الله عليه وسلم حرفًا حرفًا لم يهملوا منه حركة ولا سكونًا ولا إثباتًا ولا حذفًا، ولا دخل عليهم في شئ منه شك ولا وهم وكان منهم من حفظه كله، ومنهم من حفظ أكثره، ومنهم من حفظ بعضه، كل ذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم) [10، ج1 ص6].

أهمية القراءات الشاذة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير