الأول: المشهور في المذهب، وظاهر الرواية في الموطأ: لا يصح الاحتجاج بالقراءة الشاذة [29، ج6 ص283] و [38، ج2 ص654].
حكى هذا الرأي الفتوحي عن الإمام مالك [45، ج2 ص140]، واختاره ابن الحاجب [46، ج2 ص21].
الثاني: القراءة الشاذة تجري مجرى الآحاد في العمل بها دون القطع [47 ج2 ص66]، حكى هذا القول الفتوحي عن الإمام مالك [45، ج2 ص138].
يقول ابن عبدالبر (الاحتجاج بما ليس في مصحف عثمان قال به جمهور العلماء ويجري عندهم مجرى خبر الواحد في العمل به دون القطع [48، ج2 ص188].
الثالث: يعمل بالشاذ على وجه الإستحباب، لأن الإمام مالك كان لا يرى الإعادة فيمن فرق قضاء رمضان قائلاً: (ليس عليه إعادة وذلك مجزي عنه، وأحب ذلك إلي أن يتابعه [33، ج1 ص304].
وبهذا يظهر أن فقهاء المذهب المالكي اختلفوا في شأن القراءة الشاذة بين رافض لها ومستحب، ومجيز الاحتجاج بها فإذا ثبتت عندهم مع وجود سند قوي لها أخذوا بها كما حدث في ميراث الاخوة لأم، حيث عملوا بمقتضاها لوجود الإجماع الذي قواها [22، ص336].
ومن حجتهم في رفضها يرون أن الشاذ ليس كتابًا ولا سنة ولا إجماعًا ولا قياسًا ولا غير ذلك من الأدلة الشرعية ويتبين من ذلك أن القراءة الشاذة لا تكون حجة عندهم إلا إذا عضدها خبر آخر غير القراءة، فبوجود الخبر يأخذون بها وبعدمه لا، فدل هذا على أنهم يأخذون بالخبر لا بالقراءة [22، ص338].
ثالثًا: المذهب الشافعي:
ذهب فقهاء هذا المذهب في الاحتجاج بالقراءة الشاذة مذهبين [49، ص108] [22، ص338]:
الأول: يصح العمل بها كما حكى ذلك الكمال بن الهمام الحنفي عن الإمام الشافعي [50، ج3 ص9] ونسبه جمال الدين الأسنوي لأبي حامد الغزالي والماوردي [51، ص141].
قال السبكي: وأما إجراؤه مجرى الآحاد فهو الصحيح [52، ج1 ص231].
وقال البلقيني: إن الأصحاب تكلموا على القراءة الشاذة فقالوا: إن أجريت مجرى التفسير والبيان عمل بها. وإن لم تكن كذلك، فإن عارضها خبر مرفوع قدم عليها أو قياس ففي العمل بها قولان.
يفهم من كلام هذا الإمام أن الشافعية يقبلون القراءة البيانية ويعملون بها إذا صح سندها ولم يكن لها خبر يعارضها أو قياس [22، ص341].
الثاني: لا يصح العمل بالقراءة الشاذة قال الجويني إنه ظاهر المذهب [22، ص341] واختاره الآمدي ونسبه إلى الإمام الشافعي [44، ج1 ص231] وإليه ذهب الغزالي في المستصفى [53، ج1 ص102] وجزم به النووي في المجموع [54، ج5 ص131] وحكاه الفتوحي من الحنابلة عن الشافعي [45، ج3 ص138] ولعل الإمام الشافعي كان يؤثر المأثور بل يرى أن آراء الصحابة خير لنا من آرائنا لأنفسنا [10، ج1 ص12].
وهذا خلاف ما شاع عند كثير من الأصوليين أن الإمام الشافعي لا يحتج بالقراءة الشاذة، بل كثير من فتاواه تدل على اعتبار القراءة الشاذة والاستدلال بها كما أثبته من تتبع آراءه في مذهبه [55، ص173].
رابعًا: المذهب الحنبلي:
بالنظر والتأمل إلى كتب الحنابلة وآراء علماء المذهب نجدهم أخذوا بالقراءة الشاذة واحتجوا بها، فهذا ابن قدامة ذكر أقوال العلماء في عدد الرضعات المحرمات وذكر أن عددها كانت عشرًا ثم نسخن وأصبحن خمسًا وهذا يفيد احتجاجهم بالشاذ واستدلالهم به في بعض الأحكام الواردة عنهم [56، ج8 ص171].
وعليه يكون الإمام أحمد قد وافق غيره في جواز العمل بالقراءة الشاذة، ونقل ابن كثير عن الحنابلة [22، ص343] وجوب التتابع في صوم كفارة اليمين، لأن ذلك روي عن أبي ابن كعب رضي الله عنه وغيره أنهم كانوا يقرونها هكذا ((فصيام ثلاثة أيام متتابعات)) بزيادة لفظ ((متتابعات)) [57، ج2 ص125].
غير أنّ هناك رواية أخرى عن الإمام أحمد بن حنبل تفيد عدم صحة الاحتجاج بالقراءة الشاذة [45، ج2 ص138].
لكن الأغلب في كتب المذهب وآراء علمائه أنهم يقبلون القراءة الشاذة ويحتجون بها في الأحكام.
خلاصة آراء الفقهاء في احتجاجهم بالقراءة الشاذة:
بعد استعراض آراء الفقهاء أصحاب المذاهب الأربعة وأتباعهم في الاحتجاج بالقراءة الشاذة يتبين أنهم انقسموا إلى مذهبين:
المذهب الأول: يرى جواز الاحتجاج والعمل بالقراءة الشاذة في استنباط الأحكام.
المذهب الثاني: يرى أنها ليست حجة فلا يجوز العمل بها.
¥