قال الأصمعي قال لي أبو عمرو لو تهيأ لي أن أفرغ ما في صدري في صدرك لفعلت لقد حفظت في علم القرآن أشياء لو كتبت ما قدر الأعمش على حملها ولولا أن ليس لي أن أقرأ إلا بما قرىء لقرأت كذا وكذا كذا وكذا وذكر حروفا،
وقال أبو عبيدة كانت دفاتر أبي عمرو ملء بيت إلى السقف ثم تنسك فاحرقها وتفرد للعبادة وجعل على نفسه أن يختم في كل ثلاث
وقال أيضا حدثنا أبو عمر قال أخافنا الحجاج فهرب أبي نحو اليمن وهربت معه فبينا نحن نسير إذا إعرابي ينشد على بعير له.
لا تضيقن بالأمور فقد تف رج غماؤها بغير احتيال
رب ما تكره النفوس من الأم ر لها فرجة كفرج العقال
فقال أبي ما الخبر فقال مات الحجاج فكنت بقوله فرجة أسر مني بقوله مات الحجاج والفرج من الهم وبالضم من الحائط،
وقال الأصمعي سمعت أبا عمرو يقول ما رأيت أحداً قبلي أعلم مني وقال الأصمعي أنا لم أر بعد أبي عمرو أعلم منه وكان إذا دخل شهر رمضان لم يتم فيه بيت شعر وسمعته يقول أشهد أن الله يضل ويهدي ولله مع هذه الحجة على عبادة،
وبسنده عن عبد الوارث قال حججت سنة من السنين مع أبي عمرو بن العلاء وكان رفيقي فمررنا ببعض المنازل فقال قم بنا فمشيت معه فأقعدني عند ميل وقال لي لا تبرح حتى أجيك وكان منزل قفر لا ماء فيه فاحتبس عليّ ساعة فاغتممت قفمت أقفيه الأثر فإذا هو في مكان لا ماء فيه فإذا عين وهو يتوضأ للصلاة فنظر إليّ فقال يا عبد الوارث أكتم علي ولا تحدث بما رأيت أحداً فقلت نعم يا سيد القراء قال عبد الوارث فو الله ما حدثت به أحداً حتى مات،
وروينا عن الأخفش قال مر الحسن بأبي عمرو وحلقته متوافرة والناس عكوف فقال من هذا فقالوا أبو عمرو فقال لا إله إلا الله كادت العلماء أن تكون أرباباً كل عز لم يؤكد بعلم فإلى ذل يؤول،
وروينا عن سفيان بن عيينة قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت يا رسول الله قد أختلفت على القراءات فبقراءة من تأمرني أن أقرأ فقال اقرأ بقراءة أبي عمرو بن العلاء،
وعن أبي عبيد القاسم بن سلام قال حدثني شجاع بن أبي نصر وكان صدوقاً قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فعرضت عليه أشياء من قراءة أبي عمرو فما رد علي إلا حرفين أحدهما وأرنا مناسكنا والآخرة ما ننسخ من أية أو ننساها،
قال ابن مجاهد وحدثونا عن وهب ابن جرير قال قال لي شعبة تمسك بقراءة أبي عمرو فإنها ستصير للناس أسناداً وقال أيضاً حدثني محمد بن عيسى بن حيان حدثنا نصر بن علي قال قال لي أبي قال شعبة أنظر ما يقرأ أبو عمر مما يختار لنفسه فإنه سيصير للناس اسناداً قال نصر قلت لأبي كيف تقرأ قال على قراءة أبي عمرو وقلت للأصمعي كيف تقرأ قال على قراءة أبي عمرو، قلت وقد صح ما قاله شعبة رحمه الله فالقراءة التي عليها الناس اليوم بالشام والحجاز واليمن ومصر هي قراءة أبي عمرو فلا تكاد تجد أحداً يلقن القرآن إلى على حرفه خاصة في الفرش وقد يخطئون في الأصول
ولقد كانت الشام تقرأ بحرف ابن عامر إلى حدود الخمسمائة فتركوا ذلك لأن شخصاً قدم من أهل العراق وكان يلقن الناس بالجامع الأموي على قراءة أبي عمرو فاجتمع عليه خلق واشتهرت هذه القراءة عنه أقام سنين كذا بلغني وإلا فما أعلم السبب في أعراض أهل الشام عن قراءة ابن عامر وأخذهم بقراءة أبي عمرو وأنا أعد ذلك من كرامات شعبة،
قال أبو عمرو الأسدي لما أتى نعي أبي عمر أتيت أولاده فعزيتهم عنه فأني لعندهم إذ أقبل يونس بن حبيب فقال نعزيكم وأنفسنا بمن لا نرى شبها له آخر الزمان والله لو قسم علم أبي عمرو وزهده على مائة إنسان لكانوا كلهم علماء زهاداً والله لو رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم لسره ما هو عليه.
اهـ مختصرا من غاية النهاية لابن الجزري ص 288 ج 1