تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"" رب سلم رب سلم "" ([16]) ويطيل السجود والدعاء والتبتل يدعو لأمته بالنجاة والسعادة والهداية.ويوم القيامة يسجد تحت العرش فلا يرفع رأسه حتى يقال له: إرفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع! فيقول: يارب أمتي. ([17]) لقد جعل همه هماً واحداً هو رضوان الله جل شأنه، وتفرع عن هذا الهم حرصه الشديد على أمته رحمة ورأفة ورجاءً وهذا ما يعبر عنه هذا الحديث الشريف "" حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّمَا مَثَلِى وَمَثَلُ النَّاسِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا، فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِى تَقَعُ فِى النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا، فَجَعَلَ يَنْزِعُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ فَيَقْتَحِمْنَ فِيهَا، فَأَنَا آخُذُ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ، وَأَنْتُمْ تَقْتَحِمُونَ فِيهَا "". ([18]) إن غايته الكبرى هي نجاة أمته، نجاتها في الدنيا من دار الغرور، وفي الآخرة من العذاب الحرور، فهو لم يكن يخشى علينا الفقر، بل كان خوفه علينا من الدنيا وانبساطها وإغرائها أشد كما قال للأنصار ذات يوم: «فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ، فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّى أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ». ([19])

وقال لسيدنا علي يوم خيبر: "" فَوَاللَّهِ لأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ» ([20]) لأنه سيكون سبباً في إنقاذ رجل - بل ربما أسرة ممتدة إلى يوم القيامة - من الشقاء الأبدي والجحيم السرمدي.

لقد كانت رسالته r أشبه بالمظلة الباردة في اليوم القائظ، وأشبه بالركن الدافئ في البرد القارس، وأشبه بالغيث الصيّب في في السنة الجائحة القاحلة، وهكذا شبه رسول الله r بعثته المباركة فقال: «إِنَّ مَثَلَ مَا بَعَثَنِى اللَّهُ بِهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَصَابَ أَرْضًا فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ طَيِّبَةٌ قَبِلَتِ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتِ الْكَلأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ وَكَانَ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ الْمَاءَ فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ فَشَرِبُوا مِنْهَا وَسَقَوْا وَرَعَوْا وَأَصَابَ طَائِفَةً مِنْهَا أُخْرَى إِنَّمَا هِىَ قِيعَانٌ لاَ تُمْسِكُ مَاءً وَلاَ تُنْبِتُ كَلأً فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِى دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ بِمَا بَعَثَنِى اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِى أُرْسِلْتُ بِهِ». ([21]) أجل إنه r كالغيث الهامع لهذه البشرية الشاخصة إلى السماء، أحيا الله به قلوباً غلفاً، وأعيناً عمياً، وآذاناً صماً، بل أحيا به الباري عز وجل أمة كانت في مجاهيل النسيان، وبراثن الجهل، ومخالب الشتات والفرقة، فجعل منها أمة محورية بين الأمم، وحضارة مركزية بين الحضارات، أقامت راية السماحة والمحبة، ونصبت ميزان العدل والمساوة، وأنارت دروب العلم والمعرفة فكانت مثالاً يُحتذى ونبراساً يقتدى.

هذه رسالة محمد r ذلكم الطفل اليتيم الذي نشأ وترعرع في ربوع مكة يرعى أغنامها، ويراقب أحلامها، ويعايش شبابها، ويرافق تجارها، ويخالط زعماءها، ويحضر مجالسها وأحلافها – حلف الفضول – ويشارك في حروبها – حرب الفجار – فكان مثالاً للرجولة، وعنواناً للأخلاق، ونبراساً للصدق والأمانة، فاستحق بجدارة لقب الصادق الأمين من أعدائه وخصومه قبل أقربائه وأصدقائه. فتهيأ لتحمل المسؤولية العظمى بأن يكون رسولاً للناس أجمعين، ورحمة مهداة للعالمين، ومبلغاً لآيات الوحي المبين.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير