تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

جاءه عثمان بن طلحة بمفاتيح الكعبة، فتناولها منه النبي r ففتح الكعبة المشرفة وصلّى فيها ثم أعادها إليه وقال له: خذوها لا ينزعها منكم إلا ظالم. ولا شك أن عثمان خجل من نفسه، وتمنى لو تبتلعه الأرض حين فاجأه النبي بهذا الكلام، ذلك لأنه يذكر يوماً آخر في مكة قبل هذا اليوم، حين كان النبي r فقيراً وحيداً مُكذَّباً طريداً، فقد طلب منه النبي r المفاتيح، فأبى عثمان، فقال له النبي r: كيف بك ياعثمان ذات يوم والمفاتيح بيدي أضعها حيث أشاء؟ فقال له عثمان: لقد ذلّت قريش يومئذ وهانت، فقال المصطفى r : بل عَمَرت وعزت. ([28])

وقد ذكّره النبي r بذلك فقال له: ألم يكن الذي قلت لك؟ ولكن لا ليجرح خاطره، وإنما ليزيده إيماناً بنبوته، وقد فهم عثمان الرسالة فقال: بلى أشهد أنك رسول الله. وبدلاً من التفكير بالانتقام أكرمه النبي r غاية الإكرام. أجل إنه يتمثّل قول الله عز وجل:} فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ {[الحجر آية 85] وقول سبحانه وتعالى فيه:} فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ {[سورة آل عمران آية 159]

هكذا كانت رسالته r، وهكذا كانت دعوته: المحبة التسامح، والعفو والرحمة، والتواضع لله جل شأنه. تأمل في قوله r : "" عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ «إِنَّ مَثَلِى وَمَثَلَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِى كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ، إِلاَّ مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ وَيَعْجَبُونَ لَهُ، وَيَقُولُونَ هَلاَّ وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ قَالَ فَأَنَا اللَّبِنَةُ، وَأَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ». "" ([29]) كم يحمل هذا الحديث من دلالات معبرة، ومعاني مؤثرة، فهو r يرى أن الدين بناء شكل الأنبياء جميعاً فيه لبنات متماسكة، ولم يبق من هذا البناء إلا مقدار لبنة، وكان البناء جميلاً وبديعاً تعجب منه الناس، وتمنوا لو وضعت تلك اللبنة، فكانت بعثته rهي لبنة الكمال، ولكنه r لم يجعل من نفسه ركيزة البناء، أو أحد جدرانه، وإنما جعل من نفسه لبنة في بناء النبوة، يتراصّ مع إخوانه من الأنبياء السابقين ليتكوّن للبشر بناء يحقق لهم المأوى والمثوى والسعادة في الدنيا والآخرة، فلم يبخس النبيُّ إخوانَه من الأنبياء - عليهم السلام جميعاً - حقهم، ولم ينكر فضلهم وجهادهم.

إنه r يعلمنا كيف نتكامل "" إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق "" ([30]) ويعلمنا كيف نتواضع فيقول: "" «وَإِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَىَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لاَ يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ وَلاَ يَبْغِى أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ». "" ([31]) ويعلمنا كيف نتعاون ونتراصّ، لكي نكون أقوى في مسيرة الحياة، وأقدر على الإعمار، وأصبر على الشدائد.

أما هو r فقد بلّغ الرسالة، وأدّى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغمّة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، وخُيِّر فاختار الرفيق الأعلى "" الرفيق الأعلى "". ([32])

ولقد قصّرت الأمة في الوفاء بحقه r في هذا العصر، فلم تحسن عرْض سيرته على الناس، فتعرّض له الناس، وأساؤوا لأعظم إنسان عاش على ظهر هذه الأرض، وجاهد لتطهيرها من الفساد والظلم والخداع والكذب والاستبداد.

ومن واجب الأمة الآن أن تخاطب الأمم بلغاتها، ومن خلال ثقافاتها وحضاراتها، وأن تراعي تغيرات الأفهام، وتبدلات الأعصار، واختلاف الوسائل، والتباس المسائل، فتكشف الغيوم الداكنة بشمس الحقائق الساطعة، وتكنس الأوهام المتراكمة، بالحجج النيرة والبراهين الميسَّرة عن سيرة وشخصية وحياة سيدنا رسول الله r ، وأن تخاطب بذلك الناس جميعاً، بمختلف بلدانهم وعقولهم ولغاتهم، وأن تحشد لذلك كل الإمكانات العقلية والفكرية والسياسية والإعلامية والمادية.

وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم

والحمد لله رب العالمين.

أحمد إدريس الطعان

عفا الله عنه

داريا 8/ 9 / 2007 م منتصف ليلة الأربعاء.

للتواصل:

[email protected]

الهوامش:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير