تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قراءته للنص القرآني على المنهج اللغوي المعجمي في تفسير المفردات، دون النظر إلى سياقات الكلام، وذلك بإعادة تفسير الكليات الدينية (الدين، الإسلام، الرسول، النبي) بتفسير لغوي جديد، يحيل إلى معان جديدة، ثم توليد معاني جديدة من هذه الكليات لتفسير فرعيات الدين، واعتمد على المنهج التاريخي في قراءته للسنة (11).

هذه – تقريباً– مجمل المحاولات الحديثة لقراءة النص الديني في أطروحات المثقفين العرب، ومن الاستحالة الوقوف عند كل قراءة في هذا البحث المختصر، ولهذا سنقف عند قراءة حامد نصر أبو زيد، وذلك لأنها – من وجهة نظري- أهم القراءات الحديثة التي طُرحت لقراءة النص الديني في المحيط الثقافي العربي، وهي قراءة تتسم بالعمق والجدة والثراء والتماسك، والخطورة في الوقت نفسه، فقد استطاع حامد نصر أبو زيد تسويق مشروعه الأيديولوجي (العلمانية) من خلال تلك القراءة، ولعل ما يميز حامد أبو زيد – غير مقدرته الفكرية - وعيه العميق بالشروط الموضوعية (سياسياً واجتماعياً وثقافياً) لنجاح المشروعات الثقافية، ولهذا فهو طرح قراءة نقدية لمشروعات التنوير منذ عصر النهضة الحديثة مروراً بطه حسين وانتهاء بزكي نجيب محمود، فيرى أن إصلاحيي النهضة في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين أخفقوا في إحداث نقلة نوعية في تجديد فهم الإسلام، ويعزو ذلك لعدم مقدرتهم على تجاوز الرؤى السائدة وسط أغلب المسلمين، بأن القرآن يجب أن يطبق في كل الأماكن والأزمنة، وفي سبيل التوفيق بين نصوص القرآن والمعضلات الفكرية التي طرحتها الحضارة الغربية آثر أغلب الإصلاحيين –من وجهة نظره- التعامل مع القرآن بطريقة برجماتية؛ فهم يستحضرون فقط الآيات التي تلائم مقاصدهم، ويتجاهلون تلك التي لا تتلاءم مع هذه المقاصد، ويرى أن هذا التوجه قد هيمن على أغلب التيار الإصلاحي الإسلامي إلى الآن، ومن هنا فهو ينادى بمشروع ينقل الإصلاح الديني إلى داخل (النص القرآني نفسه)، وذلك بإعادة قراءة النص قراءة تاريخية، وقبل أن نتحدث عن فكرته حول تفسير النص، نُعَرِّف بمدلول مصطلح (التاريخية)؛ التاريخية كما يعرفها آلان تورين هي (المقدرة التي يتمتع بها كل مجتمع في إنتاج حقله الاجتماعي والثقافي الخاص به ووسطه التاريخي الخاص به أيضاً). ويضيف آلان تورين: (ما سوف أدعوه بالتاريخية هو إذن الطبيعة الخاصة التي تتميز بها الأنظمة الاجتماعية التي تمتلك إمكانية الحركة والفعل على أنفسها بالذات وذلك بوساطة مجموعة من التوجهات الثقافية والاجتماعية) (12).

التاريخية بهذا المعنى هي النظر إلى النصوص الثقافية على أنها إنتاج ثقافي محكوم بالحقل الاجتماعي والثقافي والسياسي للمجتمع وفق ظروفه التاريخية والجغرافية، هذه الرؤية الثقافية للنص هي نفسها التي دعا إلى إعمالها نصر جاد أبو زيد في التعامل مع النصوص الثقافية عامة (كل النصوص تستمد مرجعيتها من الثقافة التي تنتمي إليها) (13)، فهو لا يفرق بين النص البشري والنص القرآني، فهما عنده متساويان من حيث قوانين التكون والبناء وإنتاج الدلالة (النص القرآني يستمد مرجعيته من اللغة ... وإذا انتقلنا إلى الثقافة قلنا إن هذا النص منتج ثقافي) (14) منتج ثقافي باعتباره محكوماً بالقوانين الداخلية البنيوية والدلالية للثقافة التي ينتمي إليها (ليست النصوص الدينية نصوصاً مفارقة لبنية الثقافة التي تشكلت في إطارها بأي حال من الأحوال والمصدر الإلهي لتلك النصوص لا يلغي إطلاقاً حقيقة كونها نصوصاً لغوية بكل ما تعنيه اللغة من ارتباط بالزمان والمكان التاريخي والاجتماعي) (15)، وهو في الوقت الذي يرى أن مصدرها إلهي إلاّ أنه يرى أنها بخضوعها لقوانين الثقافة الإنسانية فهي قد تأنسنت من هذه الحيثية (إن النصوص دينية كانت أم بشرية محكومة بقوانين ثابتة، والمصدر الإلهي لا يخرجها عن هذه القوانين؛ لأنها تأنسنت منذ تجسدت في التاريخ واللغة وتوجهت بمنطوقها ومدلولها إلى البشر في واقع تاريخي محدد، إنها محكومة بجدلية الثبات والتغير؛ فالنصوص ثابتة في المنطوق متحركة متغيرة في المفهوم، وفي مقابل النصوص تقف القراءة محكومة أيضاً بجدلية الإخفاء والكشف) (16)، وإذ قرر أن القرآن في محصلته النهائية منتج ثقافي مفارق لمصدره الإلهي، فهو يخضع – شأنه شأن أي نص ثقافي – للمناهج الحديثة في

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير