والمنطق .. لأن فعل ذلك هو من صفات المخلوقين، وليس من صفات الخالق .. وهو ـ سبحانه ـ الذي كتب على نفسه الرحمة .. والذي لا يظلم أحدا .. والذي لا يأمر بالفحشاء ولا المنكر .. والذي أحسن كل شيء خلقه وقدره تقديراً.
ولقد كشفت نصوص ابن حزم عن حقيقة الإيمان الإسلامي: الإيمان بمشيئة إلهية وقدرة ربانية لا تعرف الحدود .. ولا تتناهي .. وفي الوقت ذاته منزهة عن مجاوزة الحكمة والرحمة والعدل والمنطق والعقلانية بكل ما تعني هذه المصطلحات عند الذين يفقهون ويعقلون .. وحتى تتكشف "العورة الفكرية" و"السقطة المنهجية" و" الكذبة الكبرى" التي سقط فيها "أستاذ الفلسفة" والحبر الأعظم للفاتيكان ـ هو وحزبه ـ نورد نصوص الإمام ابن حزم حول القدرة الإلهية والمشيئة الربانية في التصور العقدي للإسلام والمسلمين .. وهو في هذه النصوص يقول لمن يسأل:
ـ هل طلاقة القدرة الإلهية ـ القادر على كل شيء ـ تجعله فاعلا للكذب مثلا وهو في مقدوره؟
فيقول ابن حزم ـ في جواب هذا السؤال ـ: "إن الله تعالي فعال لما يشاء، وعلى كل شيء قدير .. [وكان الله عليما قديرا]، فأطلق تعالي لنفسه القدرة، وعم ولم يخص، فلا يجوز تخصيص قدرته بوجه من الوجوه .. فإن قال قائل: فما يؤمنكم إذ هو تعالي قادر على الظلم والكذب والمحال من أن يكون قد فعله أو لعله سيفعله فتبطل الحقائق كلها ولا تصح، ويكون كل ما أخبرنا به كذبا؟ ".
ثم يجيب ابن حزم على سؤال هذا القائل:
"وجوابنا في هذا .. أن الله تعالي قادر عليه ولكن لا يفعله .. وأنه تعالي لا يجور ولا يكذب .. ولا يظلم، وأنه تعالي قد أخبرنا بأنه قد تمت كلماته صدقًا وعدلاً ولا مبدل لكلماته، وأنه تعالي قادر، وليس كل ما يقدر عليه يفعله .. وكل من يدين بأن الله حق مجمعون على أنه تعالي لا يكذب ولا يظلم .. وقد صح إطباق جميع سكان الأرض قديما وحديثا، لا نحاشي أحدا، على أن الله لا يظلم ولا يكذب.
وقد قام البرهان على أنه تعالي لا يشبه شيء من خلقه في شيء من الأشياء، والخلق عاجزون عن كثير من الأمور، والعجز من صفة المخلوقين، فهو منفي عن الله عز وجل جملة، وليس في الخلق قادر بذاته على كل مسئول عنه، فوجب أن الباري تعالي هو الذي يقدر على كل مسئول عنه .. وكذلك الكذب والظلم من صفات المخلوقين، فوجب يقينًا أنهما منفيان عن الباري تعالي .. فهذا هو الذي آمننا من أن يظلم أو يكذب أو يفعل غير ما علم أنه يفعله، وإن كان تعالي قادرا على ذلك".
هذه هي نصوص الإمام ابن حزم الأندلسي، حول الإيمان الإسلامي بطلاقة المشيئة الإلهية، ولا محدودية القدرة الإلهية .. وفي الوقت ذاته تنزيه الذات الإلهية عن كل ما لا يليق بالحكمة المطلقة .. والعدل المطلق .. والرحمة المطلقة.
لقد تنزه ـ سبحانه ـ عن العجز البشري، وعن فعل ما لا يليق بذاته المنزهة .. لقد خلق كل شيء بقدر .. وكتب على نفسه الرحمة .. وهو (الَذِي أَنزَلَ الكِتَابَ بِالْحَقِّ والْمِيزَانَ) [الشورى: 17]، (وأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ والْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) [الحديد: 25]، ومن ثم فلا تناقض بين طلاقة قدرته ـ سبحانه ـ وبين الحكمة والمنطق والعقل كما يفهمها الحكماء والعقلاء.
تلك هي الحقيقة التي "جهلها ـ وتجاهلها" بابا الفاتيكان ـ أستاذ الفلسفة ـ فافتري على الإمام ابن حزم، ونسب إليه ما لم يقله .. بل افتري عليه عكس ما قاله!! ..
لقد قال ابن حزم:" لقد أخبرنا الله تعالي بأنه قد تمت كلماته صدقا وعدلاً لا مبدل لكلماته".
وافتري البابا على ابن حزم عندما نسب إليه عبارة:" إن الله لا يلتزم حتى بكلمته الخاصة"!!
وهكذا بلغ الافتراء حد الفجور .. ثم صعد به إلى حيث عممه على الإيمان الإسلامي، فوصفه بأنه "إيمان وثني أعمي"!! فلم يقف الافتراء عند ابن حزم وإنما عممه البابا على الإسلام .. وكل المؤمنين بالإسلام!.
وهكذا تأسس الافتراء الغريب والعجيب على فضيحة علمية من "الوزن الثقيل"! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.