تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

* إن بابا الفاتيكان ـ بنديكتوس السادس عشر ـ هو أستاذ للفلسفة، مارس العمل الأكاديمي وتقاليد البحث العلمي الأكاديمية قبل أن ينخرط في سلك الكهنوت .. ولقد تولى ـ في الفاتيكان ـ قبل البابوية "عمادة كلية الكاردينالات" .. ومن تقاليد البحث العلمي ـ التي يعرفها حتى المبتدئون في هذا الميدان ـ الرجوع في الاستشهاد بالنصوص إلى مصادرها الأصلية، فهل صنع ذلك بابا الفاتيكان ـ وهو أستاذ الفلسفة ـ عندما استشهد بابن حزم، وأسس حكمه على الإيمان الإسلامي بأنه لا عقلاني ووثني أعمي، بناء على هذا "الشاهد" الذي استشهد به؟!.

إن أستاذ الفلسفة ـ الحبر الأعظم للفاتيكان ـ قد خان أمانة البحث العلمي .. واستند إلى "شهادة مزور وكاذب"!! فهو لم يرجع إلى ابن حزم ـ وكتبه مترجمة إلى العديد من اللغات الغربية ـ وإنما اعتمد ـ هذا الأستاذ للفلسفة ـ على "منهج العنعنات" .. فاستند إلى مسيحي لبناني هو "عادل تيودور خوري" .. الذي لم يرجع هو الآخر إلى المصادر الأصلية لابن حزم .. وإنما أخذ عن باحث فرنسي في الإسلاميات هو "أرنادليز"! .. وهذه سقطة وخيانة لتقاليد البحث العلمي ما كان يليق ببابا الفاتيكان ـ أستاذ الفلسفة ـ أن يقع فيها، خصوصا عندما يتحدث في محاضرة فلسفية ـ عن علاقة الإيمان بالعقل ـ في الجامعة التي كان يدرس فيها الفلسفة .. وإلى نخبة من الأساتذة الجامعيين الأكاديميين! ثم يرتب على هذه السقطة وشهادة الزور ذلك الحكم الجاهل والفاجر على الإيمان الإسلامي ـ الذي يتدين به مليار ونصف المليار من البشر ـ وهو الإيمان الذي يقض انتشاره مضاجع البابا حتى في عقر داره الأوروبية!.

* ولقد ظننت في بادئ الأمر ـ لحسن ظني بأمانة الرجل الأكاديمية ـ أن الأمر لا يعدو أن يكون إساءة فهم منه للفكرة المنسوبة لابن حزم .. وظننت أن ابن حزم يدافع عن طلاقة المشيئة الإلهية والقدرة الإلهية في مواجهة المعتزلة الذين "أوجبوا" على الله فعل الصلاح والأصلح ـ الأمر الذي يوهم أنهم قد حدوا من طلاقة القدرة والمشيئة الإلهية ـ وأن الأمر لا يعدو الرفض ـ من ابن حزم ـ لتقييد المشيئة الإلهية والقدرة الربانية .. لكن عنًّ لي أن أختبر مدي الصدق في هذا الذي نسبه البابا إلى ابن حزم، نقلا عن "الأساتذة" الكاثوليك: عادل تيودور خوري .. وأرنادليز.

ولم يكن هذا الاختبار بالأمر السهل أو الميسور .. وذلك لأن البابا ـ أستاذ الفلسفة ـ قد وقع في سقطة علمية أخري عندما نسب كلاما لابن حزم، دون أن يقول لنا ما هو الكتاب الذي قال فيه ابن حزم هذا الكلام؟.

إن لابن حزم عشرات الكتب .. وبعض هذه الكتب تبلغ مجلداتها العشرات .. ففي أي كتاب؟ .. أو جزء؟ .. أو صفحة .. وفي أية طبعة من الطبعات يمكن العثور على هذا الذي نسبه البابا إلى الإمام ابن حزم؟ بل في أية لغة من اللغات التي ترجم إليها فكر ابن حزم تم النقل عنه من قبل الذين نقل عنهم بابا الفاتيكان؟؟!

لكن خطر القضية .. وخطورة الحكم الذي حكم به البابا ـ أستاذ الفلسفة ـ على الإيمان الإسلامي، جعلني أستعين بالخبرة في التعامل مع المصادر .. ومظان القضايا والأفكار .. حتى هداني الله فعثرت على المصدر الذي تحدث فيه ابن حزم حول هذا الموضوع في كتابه [الفصل في الملل والأهواء والنحل].

ولقد كانت المفاجأة الأعظم عندما اكتشفت الكذب البواح والاغتيال الفكري الصريح الذي مارسه الحبر الأعظم ـ و"الأساتذة" الكاثوليك الذين نقل عنهم ـ ضد أفكار ابن حزم حول طلاقة المشيئة الإلهية ولا محدودية القدرة الإلهية.

منهج الاغتيال الفكري على طريقة [لا تقربوا الصلاة] و [ويل للمصلين]!! .. فابن حزم لم يرد في كلامه ولم يخطر بباله أن يقول: " إن الله لا يلتزم حتى بكلمته الخاصة، وإنه ما من شيء يلزمه بكشف الحقيقة لنا .. " .. ومن ثم لم يقل إن مشيئة الله منفكة عن العدل والمنطق والمعقول والصلاح والأصلح .. وإنما ميز بين قدرة البشر المحدودة وبين قدرة الله التي لا تحدها حدود .. وأكد ـ في الوقت ذاته ـ بالنصوص الصريحة اتساق المشيئة الإلهية مع الحكمة والرحمة والعدل والمنطق والعقل .. لأنه ـ سبحانه ـ مع طلاقة مشيئته وقدرته، لا يفعل الظلم ولا الجور ولا العبث ولا الكذب، مما لا يليق بذاته المتصفة بصفات الجلال والجمال والكمال، ومن ثم فلا يصدر عنه ـ سبحانه ـ ما ينافي الحكمة والعقل

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير