* كما شهد بذلك الأسقف "ميخائيل السرياني" ـ بعد خمسة قرون من الفتح التحريري الإسلامي ـ فقال في النصف الثاني من القرن الثاني عشر الميلادي: "وهذا هو السبب أن إله الانتقام الذي تفرد بالقوة والجبروت، والذي يديل دولة البشر كما يشاء فيؤتيها من يشاء .. لما رأي شرور الروم الذين لجأوا إلى القوة فنهبوا كنائسنا، وسلبوا أديارنا في كافة ممتلكاتهم، وأنزلوا بنا العقاب من غير رحمة ولا شفقة، أرسل أبناء إسماعيل من بلاد الجنوب ليخلصنا على أيدهم من قبضة الروم .. ولم يكن كسبا هينا أن نتخلص من قسوة الروم وأذاهم وحنقهم وتحمسهم العنيف ضدنا، وأن نجد أنفسنا في أمن وسلام".
وهكذا رأي ميخائيل الأكبر ـ بطريق أنطاكية اليعقوبي ـ "أصبع الله في الفتوح العربية حتى بعد أن خبرت الكنائس الشرقية الحكم الإسلامي خمسة قرون"، كما يقول العالم الإنجليزي توماس أرنولد.
* وشهد على هذا الطابع التحريري للفتح الإسلامي العلامة سير توماس أرنولد [1864 – 1930م] فقال: "إنه من الحق أن نقول: إن غير المسلمين نعموا ـ بوجه الإجمال ـ في ظل الحكم الإسلامي بدرجة من التسامح، لا نجد لها معادلا في أوروبا قبل الأزمنة الحديثة.
وإن دوام الطوائف المسيحية في وسط إسلامي يدل على أن الاضطهادات التي قاست منها بين الحين والآخر على أيدي المتزمتين والمتعصبين، كانت من صنع الظروف المحلية أكثر مما كانت عاقبة مبادئ التعصب وعدم التسامح".
* وشهد بذلك ـ أيضا ـ المستشرق الألماني الحجة "آدم متز" [1869 – 1917 م] عندما قال: " لقد كان النصاري هم الذين يحكمون بلاد الإسلام"!.
* ولقد استمرت شهادات الإنصاف للفتوحات الإسلامية ـ من رجال الدين والمؤرخين غير المسلمين ـ حتى القرن العشرين .. فكتب يعقوب نخلة روفيلة [1847 – 1905م] في كتابه [تاريخ الأمة القبطية] يقول: " ولما ثبت قدم العرب في مصر، شرع عمرو بن العاص في تطمين خواطر الأهلين باستمالة قلوبهم إليه، واكتساب ثقتهم به، وتقريب سراة القوم وعقلائهم منه، وإجابة طلباتهم.
وأول شيء فعله من هذا القبيل: استدعاء "بنيامين" البطريرك، الذي اختفي من أيام هرقل ملك الروم، فكتب أمانًا وأرسله إلى جميع الجهات يدعو فيه البطريرك للحضور، ولا خوف عليه ولا تثريب، ولما حضر وذهب لمقابلته ليشكره على هذا الصنيع أكرمه وأظهر له الولاء، وأقسم له بالأمان على نفسه وعلى رعيته، وعزل البطريرك الذي كان أقامه هرقل، ورد "بنيامين" إلى مركزه الأصلي معززاً مكرماً.
وكان بنيامين موصوفا بالعقل والمعرفة والحكمة حتى سماه بعضهم (بالحكيم) .. وقيل إن عمرا لما تحقق ذلك منه قربه إليه، وصار يدعوه في بعض الأوقات ويستشيره في الأحوال المهمة المتعلقة بالبلاد وخيرها .. وقد حسب الأقباط هذه الالتفاتة منة عظيمة وفضلا جزيلاً لعمرو.
واستعان عمرو في تنظيم البلاد بفضلاء القبط وعقلائهم على تنظيم حكومة عادلة تضمن راحة الأهالي، فقسم البلاد إلى أقسام يرأس كلاً منها حاكم قبطي ينظر في قضايا الناس ويحكم بينهم، ورتب مجالس ابتدائية واستئنافية مؤلفة من أعضاء ذوي نزاهة واستقامة، وعين نوابا من القبط ومنحهم حق التدخل في القضايا المختصة بالأقباط والحكم فيها بمقتضي شرائعهم الدينية والأهلية، وكانوا بذلك في نوع من الحرية والاستقلال المدني، وهي ميزة كانوا قد جردوا منها في أيام الدولة الرومانية.
وضرب [عمرو بن العاص] الخراج على البلاد بطريقة عادلة .. وجعله على أقساط، في آجال معينة، حتى لا يتضايق أهل البلاد .. وبالجملة، فإن القبط نالوا في أيام عمرو بن العاص راحة لم يروها من أزمان .. ".
هكذا شهدت هذه الشهادات التي كتبها أقباط ومستشرقون، منهم من كان شاهد عيان على الفتوحات الإسلامية، على أن هذه الفتوحات:
* هي التي أنقذت النصرانية الشرقية من الإبادة الرومانية.
* وأعادت الشرعية والعلنية والحرية لهذه النصرانية الشرقية، بعد أن حظرها الرومان وعاملوها باعتبارها هرطقة ممنوعة، وبعبارة "ميخائيل الأكبر ـ السرياني": "فإن الإمبراطور الروماني لم يسمح لكنيستنا المونوفيزتية ـ[القائلة بالطبيعة الواحدة للمسيح]ـ بالظهور، ولم يصغ إلى شكاوى الأساقفة فيما يتعلق بالكنائس التي نهبت؛ ولهذا فقد انتقم الرب منه".
¥