تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

4 - "إن جمع القرآن في نسخة مكتوبة ومحفوظة مادية بين دفتي كتاب يدعى المصحف يمثل عملية دقيقة وحرجة. ولكنها ابتدأت بكل دقة أيام النبي ثم أنجزت مع كل الضبط اللازم في ظل الخلفاء الراشدين وخاصة في ظل عثمان. وبالتالي، فالقرآن المحفوظ عن ظهر قلب، والمتلو، والمقروء، والمشروح من قبل المسلمين منذ أن انتشر مصحف عثمان، هو النسخة الكاملة، والموثوقة، والصحيحة للوحي الذي بلغ إلى محمد".

5 - "إن الوحي القرآني يمثل الشرع الذي أمر الله المؤمنين باتباعه بحذافيره. فاتباعه يمثل علامة على الاعتراف بمديونية المعنى تجاه الله ورسوله اللذين رفعا المخلوق البشري إلى مستوى الكرامة الشخصية عن طريق ائتمانه على الوحي ... "

6 - "إن التوتر الكائن بين هذه المكانة الإلهية للوحي وغايتها البشرية، وبين التصور الحديث للقانون الوضعي وللنظام الاجتماعي والسياسي قد وصل إلى ذروته منذ أن كانت أنظمة ما بعد الاستعمار قد فرضت الإسلام كدين للدولة، ثم أعطت في الوقت ذاته مكانة متسعة أكثر فأكثر للتشريع العلماني أو الدنيوي. وهذا التناقض غالبا ما يظهر أثناء مناقشة قانون الأحوال الشخصية الذي لا يزال خاضعا للأحكام القرآنية" [5].

من هذه المبادئ يكتشف أركون وجود تعايش بين مستويين من مستويات الوحي اللذين يخلط بينهما: كلام إلهي، أزلي، لانهائي، محفوظ في اللوح المحفوظ، ووحي منزل على الأرض بصفته الجزء المتجلي، والمرئي، والممكن التعبير لغويا، والممكن قراءته. وهذا الأخير هو الذي خضع لعملية التسجيل وقدس "بواسطة عدد من الشعائر والطقوس، والتلاعبات الفكرية الاستدلالية" [6]، ومناهج التفسير ...

إن التفسير الإيماني منغلق داخل السياج الدوغمائي، يتبع استراتيجية الرفض من أجل "المحافظة على الإيمان أو تجييشه وتعبئته إذا لزم الأمر" [7]، ويعتمد تشكيلة لا تراعي قواعد القراءة التزامنية ولا قواعد القراءة التطورية اللغوية. من هنا، يدعو أركون المستشرقين إلى تفكيك البديهيات والمسلمات والموضوعات أو المضامين التي تنسج وتؤسس التماسك المغامر لكل إيمان. ويقصد أركون بالتفكيك "الحفر على أساساتها على طريقة المنهجية الجنيالوجية ومن خلال المنظور الذي بلوره نيتشه لنقد القيمة. فعن طريق هذه المنهجية نستطيع أن نكشف عن الوظائف النفسية لهذه العقائد الإيمانية وعن الدور الحاسم الذي تلعبه في تشكيل تركيبة كل ذات بشرية" [8].

يعتبر أركون القراءات الإيمانية للنصوص التأسيسية محطات لانبثاق المعنى أو اندلاعه أو إبداعيته، كما هي محطات لانبثاق آثار المعنى والتصورات والتركيبات الأسطورية أو الإيديولوجية، بحسب الفئات الاجتماعية وأنماط الثقافة ومستوياتها. ذلك أن "تفاسير القرآن وتأويلاته المتتالية والمتنوعة عبر العصور تقدم لنا مثالا ممتازا على دراسة تطور جماليات التلقي الخاصة بالخطاب الديني: أي كيف استقبل هذا الخطاب من عصر لعصر؟ ربما قال أحدهم بأن هذه ليست إلا ملاحظات ثانوية لا قيمة لها. ولكن، كلنا يعلم أنه من المستحيل تقريبا أن يقرأ أحدنا أي نص (وخصوصا النصوص الدينية الرمزية) وهو متحرر كليا من الفرضيات والمسلمات الخاصة بالثقافات المهيمنة في عصره" [9]. ويدلنا على الطبري الذي يكتب في تفسيره "يقول الله تعالى" ثم "يعطي تفسيره بكل سهولة وارتياح بصفته التفسير الحقيقي لكلام الله كما أراد الله بالضبط، فإن الطبري لا يعي إطلاقا أن التفسير الذي ينتجه مرتبط بنوعية ثقافية وحاجيات مجتمعه، كما هو مرتبط بالمواقع الإيديولوجية والعقائدية التي اتخذها هو بالذات كفقيه مجتهد" [10].

ولا يسع الإنسان إلا أن يستغرب، إذ كيف لمفكر يدعي العلمية أن ينسب للطبري ما لم يقله! إن الطبري، كغيره من المفسرين، لا يعطي تفسيره باعتباره التفسير الحقيقي لكلام الله عز وجل! بل إنه مجرد اجتهاد في فهم المراد. وهذا الاجتهاد، طبعا، كان ممن توفرت فيه شروطه، وفي مقدمتها اللغة العربية التي بها نزل. أما تفسير القرآن الكريم ومحاولة فهمه بلغات غير العربية، وبأدوات غير أدواتها من غير تمحيص، فهذا عين الزلل.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير