تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إننا لا نجد عبارات التعظيم في كتابات أركون، لأنها من لوازم التيولوجيا، بل نجده يقول: "جاء في القرآن"، "تقول الآية ... " لأن كلمات "الله، والوظيفة النبوية، والكلام الموحى والكاشف، والمقدس، والثواب، والصلاة، وتسليم النفس إلى الله، الخ ... كل ذلك ينبغي أن يتخذ كمادة للتفحص التاريخي النقدي. وينبغي على المؤمنين أن يقبلوا بذلك" [11].

إن القراءة التيولوجية أو الإيمانية لا تخدم القرآن ولا الفكر الإسلامي، في نظر أركون. لذا، فهو يرى ضرورة خدمة الفكر الديني من قبل باحثين مستقلين، عوض خدامه المتحمسين، أو المجادلين الذين يستهدفون غايات أخرى. والباحثون المستقلون هم المستشرقون واللادينيون. فما الجديد الذي تضيفه قراءة هؤلاء؟

2 - القراءة التاريخية الأنتربولوجية

لا يميز أركون في هذه القراءة بين الباحثين المسلمين وبين الباحثين الأوربيين، وإن كان المقصود من هذه القراءة هم الباحثين الأوربيين. ويطبق عليها المعيار الإبستمولوجي الذي يطبقه على القراءة الإيمانية، والذي يتمثل في التمييز بين موقف الإيمان وبين موقف العقل النقدي.

ويلاحظ أركون أن كتابات المحدثين بما فيهم المسلمون من أمثال طه حسين الذين اهتموا أكثر من غيرهم بالاستعادة النقدية للتراث الديني أو الثقافي أو كليهما لم يعرفوا كيف يزحزحون المناقشة من أرضيتها السابقة نحو دراسة تمهيدية للأطر الاجتماعية والثقافية السائدة والخاصة بالمعرفة خلال القرنين الأول والثاني للهجرة. ويلح على ضرورة استعادة دراسة كل التاريخ الثقافي للمجال العربي والإسلامي ضمن المنظور المزدوج للتنافس بين العاملين الشفهي/ والكتابي والأسطوري/ والعقلاني، والغريب الساحر/ والمحسوس الواقعي، والمقدس/ والدنيوي الأرضي؛ ذلك أن التراث بصفته نسيجا نصيا ومعنى مضمونيا، يحمل علامات هذه المنافسة وآثارها. ومن هنا يستنتج ضرورة إعادة تقييم الشكل والمعنى لأن كل المفاهيم الأساسية المضطلع بها في المعاش الضمني للمومنين والتي سبق ذكرها هي الآن في طور الانتقال إلى حالة المعروف الصريح بفضل الاكتشافات الجديدة لعلوم الإنسان والمجتمع.

وعبر مفهوم مجتمع الكتاب يؤكد أركون أن للتراث بعدين كانت المقاربة التيولوجية الدوغمائية قد قللت من أهميتهما وشوهتهما، وهما:

- تاريخية كل العمليات الثقافية والممارسات العملية التي يندمج الكتاب المقدس بواسطتها داخل الجسد الاجتماعي ويمارس دوره فيه.

- سوسيولوجيا التلقي أو الاستقبال، ويقصد بها الكيفية التي تتلقى بها الفئات الاجتماعية أو الإثنية الاجتماعية المختلفة التراث. هذا التلقي الذي يعتبر مكملا لمفهوم التاريخية.

يرى أركون أن النقد التاريخي الذي يطبقه عالم الفيلولوجيا، المستشرق، على التراث خطوة لا بد منها، لكنه غير كاف. لذا ينبغي "تعميقه عن طريق التحليل الأنتربولوجي من أجل إحداث التطابق بين المادة العلمية المدروسة ومضامين التراث المعاشة من جهة، وبين الفعالية النفسية والتشكيلة البسيكولوجية العميقة للذات الجماعية الأخرى" [12]. فهذه الرؤية هي الكفيلة بإعادة النظر في التراث، والإجابة عن الأسئلة [13]:

- ما هي التراثات المحلية التي قلصها التراث الأرثوذكسي ثم من بعده قلصتها الحداثة التنميطية التوحيدية وحولتها إلى نتف وبقايا متفرقة؟

- وكيف حصل أن التراث الأرثوذكسي نفسه يميل إلى الانطواء والانزواء ورمي ذاته في ساحة العتيق البالي والخاطئ وتسفيهه من قبل الحداثة المادية وذلك بسبب غياب الحداثة العقلية القادرة على تجديده وإعادة التفكير فيه؟.

- ما التشوهات وأنواع البتر التي ألحقها هذا التراث الأرثوذكسي بنفسه من جراء حذفه وتصفيته لكل المدارس والمؤلفات والشخصيات الفكرية التي ظهرت داخل الإسلام واعتبرت "زنديقة" أو منحرفة؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير