تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

5ـ إنَّ من الجور في النظر أن يقارَن بين القرآن الكريم ـ كتاب الله المحفوظ ـ؛ وبين باقي الكتب السابقة، التي داخَلَها التحريفُ والزيادة والنقصان، ولا يستقيم هذا مع تمام العلم والعدل، فأما مع الظلم والجهل فمتصوَّرٌ، بل هو واقعٌ، كما رأينا في طريقة " أركون "، بل إنَّه ليمتنع مع تمام العلم والعدل أن يقف المرء من القرآن الكريم هذا الموقف الجافي المعانِد.

6ـ ليس من ذنبٍ للإسلام في أن يكون أركون أحد الذين شرقوا بدين الإسلام، أو عمُوا عن نوره، يقول أبو العباس ابن تيمية عن متأخري المتفلسفة: " وأما المتأخرون فهم لما ظهرت الملة الحنيفية الإبراهيمية التوحيدية، تارةً بنبوة عيسى u لمَّا ظهرت النصارى على مملكة الصابئين بأرض الشام ومصر والروم وغيرها، ثم بنبوة خاتم المرسلين r، وأظهر الله من نور النبوة شمساً طمَسَت ضوء الكواكب، وعاش السلف فيها برهةً طويلة، ثم خفي بعض نور النبوة، فعُرِّبَ بعضُ كتب الأعاجم الفلاسفة من الروم والفرس والهند، في أثناء الدولة العباسية، ثم طُلِبَت كتبهم في دولة المأمون من بلاد الروم، فَعُرِّبَت ودَرَسَها الناس، وظهر بسبب ذلك من البدع ما ظهر، وكان أكثر ما ظهر من علومهم الرياضية؛ كالحساب والهيئة أو الطبيعة كالطب أو المنطقية، فأما الإلهية فكلامهم فيها نزرٌ، وهو مع

نزارته ليس غالبه عندهم يقيناً، وعند المسلمين من العلوم الإلهية الموروثة عن خاتم المرسلين ما ملأ العالم نوراً وهدى " ([37]) اهـ.

7ـ إنَّ زعم أركون بأن سبب ضعف المسلمين مادّيّاً و تقنياً هو تمسكُهم بالقرآن الكريم، وجعلُه مرجعيةً لهم، لا يمكن أن يقبله عقل، ولا يتفق مع حقائق التاريخ، فقد كان المسلمون أقوى الأمم، وأعظمها حضارةً وعمراناً؛ لما كانوا مستمسكين بكتابهم، فلما ضعف تمسكهم به، ضعفوا بقدر ذلك، وهذه الظاهرة ماثلة في أطوار الأمة كلها.

بل إنَّ أوربا ذاتها حرمت نور الإسلام، حين حيلَ بينها وبينه، وذلك لما طرقت أكفُّ الفاتحين المسلمين أبوابها، فقامت الكنيسة بنصبِ محاكم التفتيش لإيقاف أسلمةِ أوربا، وكلَّفت الكتَّابَ بتشويه صورة الإسلام ونبيه r وكتابه، يقول المؤرِّخ البريطاني " ويلز " في كتابه " معالم تاريخ الإنسانية ": " ولو تهيأ لرجل ذي بصيرةٍ نفَّاذة؛ أن ينظر إلى العالم في مفتتح القرن السادس عشر،

فلعله كان يستنتج أنه لن تمضيَ إلا بضعة أجيال قليلة، لا يلبث بعدها العالم أجمع أن يصبح مغولياً، وربما أصبح إسلامياً " ([38]) اهـ.

وخلاصة القول في فكر " أركون ", أنه لا يهتم بصحة نسبة القرآن الكريم إلى الله U من عدمها, وإنما الذي يستهدفه, هو نزع القداسة والمرجعية منه, واعتباره نصاً حِكْميّاً, كسائر مقولات الحكماء، أو مأثورات القدماء.

وقد سئل هذا الرجل مرةً: " هل أنت مستعدٌّ لأن تضع موضعَ الشك, ولو آيةً واحدةً من القرآن؟ ", فجاء جوابُه برفض الجواب بنعم، أو لا, بحجة أنَّ هذا منطقٌ قديم, وأنه لا يهتم بما إذا كانت تلك آية قرآنية أو لا, إذ المشكلة في نظره هي مشكلة " التقديس " كما يعبِّر, وعندما تُحَلُّ هذه المشكلة, فإنه يرى أننا سوف " نكتشفُ أن مشاكلَ الصحة والموثوقية, أو الاختراع والتحريف, الذي لحق

بالنصوص؛ المتلقاة على أنها مقدسة, أقول ـ القائل أركون ـ: نكتشف بأن هذه المشاكل ثانوية في الحقيقة. إن منطق الثالث المرفوع ـ منطق الصحة أو اللاصحة ـ يبدو عندئذٍ تافهاً لا قيمة له " ([39]) اهـ.

وهذه إحدى مظاهر الخلل والاضطراب المنهجي لدى أركون, فهو تارة يعتبر أن مشكلة المسلمين هي أنهم يعتمدون القرآن مرجعاً لهم, بدون أن يقوموا بنقده تاريخياً, ثم لا يلبث أن يعود على كلامه بالنقض, ويَعُدُّ مسألة التوثيق التاريخي مسألة " تافهة".

كتبه / خالد بن عبد الله المزيني

28 ذو الحجة 1428هـ

ـــــ حواشي ــــــــــــــــــــــــــ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير