أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13) قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15) ".
وجَلِىٌّ أن الحكم إنما ينصبّ على الخائنين الغادرين من المشركين، وهو ما يصدق أيضا على النصوص الأخرى كما هو واضح، أما من أوفى بعهده فهؤلاء تُحْتَرَم عهودهم. بل إن الأعداء المحاربين إذا أعلنوا عن رغبتهم للسلم فلا بد من الإنصات لهم والقبول بعرضهم ما لم نحس أن هناك غدرا مبيتا. وبالمثل فإننا مأمورون بألا نعتدى إلا على من يعتدى علينا. وفوق ذلك فإن من يقع من الأعداء أسيرا فى يد المسلمين فله، حسبما تذكر الآية الرابعة من سورة "محمد"، حَلاّن: إما الفداء لقاء بعض المال، وإما الفداء دون مال. ومعنى هذا أنه سوف يطلق سراحه على كل حال. أما القول بأن الآية إنما تعنى وجوب مقاتلة غير المسلمين فى كل الظروف وفى كل الأوقات فهو قول يجافى سياق الآية والظروف التى نزلت فيها، علاوة على مجافاته نصوص القرآن الأخرى، وكلها تقيّد إيجاب القتال علينا بقتال الأعداء لنا. وكيف يصحّ اتهام القرآن بأنه يحارب غير المسلمين دون أى سبب سوى الرغبة فى إكراههم على الدخول فى الإسلام تحت سيف التهديد والترويع، والقرآن يقول بصريح العبارة: "لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9: الممتحنة) "؟
وإذا كان الشىء بالشىء يُذْكَر فقد كان المستشرق إدوراد وليم لين فى بداءة أمره يتصور أن الإسلام يجوّز شن الحرب على الكفار دون أى استفزاز أو عدوان من جانبهم، إلا أنه عَدَل عن هذا الفهم بتأثير كاتب بريطانى آخر هو أوركهارت، الذى نبهه إلى ضرورة مراجعة رأيه السابق فى هذا الأمر، حتى لقد كتب أنه صار مقتنعا بأن ليس فى القرآن أى مبدإ يمكن، لو فُهِم فى سياقه، أن يسوّغ شَهْر حرب عدوانية ( Edward William Lane, The Modern Egyptians, London, 1871, Vol. 1, P. 117, Note).
وأخيرا لقد اعترض كل المعلقين تقريبا فى منتديات "واتا" على الطريقة التى رتب بها الدكتور سامى الذيب سُوَر القرآن العظيم فى ترجمته التى نحن بصددها، إذ رتبها بناء على تواريخ نزولها كما يقول لا على أساس ترتيبها فى المصحف الشريف. وكانت حجته أن هذا الترتيب يساعد القراء على أن يفهموا النص القرآنى على نحو أفضل ويُلِمّوا من خلاله بسيرة الرسول وتاريخ الدعوة الإسلامية حسب الترتيب الواقعى لأحداثهما، وكأن الدارسين للقرآن وسيرة المصطفى كانوا ولا يزالون يعانون اضطرابا وتشويشا فى فهمهم لذَيْنِك الموضوعين. وهذا كلام لم يقل ولا يمكن أن يقول به أحد. ويرى العبد لله كاتب هذه الملاحظات أنه كان الأوفق أن يعتمد الدكتور المترجم الترتيب المصحفى الذى يحظى برضا المسلمين منذ أن جُمِع القرآن الجَمْعَة الثانية فى عهد أبى بكر، ثم يستطيع على رأس الترجمة أو فى ذيلها أن يثبت قائمة بترتيب السُّوَر حسب تواريخ نزولها على ما فى ذلك الترتيب من اختلاف بين علماء القرآن، فضلا عن أن الآيات داخل كل سورة ليست بالضرورة مرتبة تاريخيا. وبهذه الطريقة يكون قد أرضى رغبته فى ترتيب السور تاريخيا كما يظن (مع التحفظ المذكور آنفا)، وراعى حرص المسلمين على احترام الترتيب المصحفى الذى تعودوه على مدار الأربعة عشر قرنا ونيف الماضية، وبخاصة أن الأمانة العلمية تقتضينا أن نحافظ على نظام الكتب التى نترجمها بكل سبيل ممكن، وعلى وجه أخص الكتب المقدسة، التى تستقل بوضع لا يشاركها فيه غيرها.
10 يناير 2008م
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[16 Jan 2008, 09:22 ص]ـ
بارك الله في علمك ووقتك يا د. إبراهيم
مقال ممتع ودقيق. وقد حصلت منذ بضعة أشهر على هذه الترجمة في ملفات وورد، وبإمكاني وضعها لو رغبتم في ذلك. وقد صرفت النظر عنها تماما لضعف دراية المترجم بمعاني الآيات والألفاظ.
وبالنسبة للغة الفرنسية: أدّعي أن لدي اطلاعا جيدا على عدد من ترجمات القرآن الكريم (مثل الترجمة السعودية، وترجمة الشيخ عبده بوريما من النيجر، وترجمة أندريه شوراكي، وجان لويس ميشون، و محمد حميد الله وصلاح الدين كشريد، وغيرها. وفي تقديري أن ترجمة صلاح الدين كشريد أفضلها جميعا، تليها ترجمة محمد حميد الله.
وقد سعدت منذ بضع سنوات بزيارة د. كشريد في تونس، ودار بيننا حديث حول رأيه في الترجمات الفرنسية، وذكر لي إنه، يعتبر جميع الترجمات ضعيفة ما عدا ترجمته وترجمة حميد الله. ودكر لي، أنه عندما بدأ ترجمة القرآن الكريم، ألزم نفسه بعدم الاطلاع على أي ترجمة أخرى كي لا يتأثر باختيارات المترجمين الآخرين. ولكنه قام بمقارنة ترجمته، قبل طبعها، بترجمة محمد حميد الله التي يعتبرها أفضل ما كان موجودا. وحدثني أيضا عن ترجمة الصادق مازيغ ولم أعد أذكر رأيه حولها.
وأود أن أقول أخيرا، إن رأيي بأفضلية ترجمة د. كشريد ليس متأثرا بلقائي به، وإنما هو وليد انطباعي الخاص ومعرفتي الشخصية، حيث قمت بمقارنة الترجمات التي ذكرتها، في فترة كنت أعتزم فيها إنشاء موقع يعرض الترجمات الفرنسية للقرآن الكريم، وتوقف المشروع في منتصف الطريق للأسف الشديد.
¥