الإستبدال الذى حدث لمفهوم الجهاد كان بفعل فاعل، وبسند من "قال الله وقال الرسول"، لأنها حرفة ومهنة صناعية -وأحياناً تجارية- أن تستخرج من كتب العلم الشرعى دليلاً على كذبك وحجة على تزويرك! وليس لكل عامى جاهل أن يفعل ذلك لأنه لا يفهم الألف من كوز الذرة فى أبواب الفقه وأصوله.
والذى يحصل الآن هو تزوير وتعطيل من مفهوم براجماتى لا يتفق مع الشرع ومقاصده
فهم يثبتون الجهاد كأصل ثابت من مصادر الدين .. وهذا هو الشق المعرفى المثبت الذى لا يختلف عليه أحد، ثم يتبعون ذلك بقيد المصلحة والمتعلق بشقين كما بينت آنفاً: التوصيف وقابليته واستحقاقه للتطبيق، فلا يبقى التطبيق كهدف أصلى واجب النفاذ، وإنما يتحول لمواطن على معبر ايريز ينتظر السماح له بالعبور، وهذا العبور قد يتحقق إن نجح فى اختبار التوصيف والإستحقاق.
وفى هذين الشقين تكمن المفاجأة ومنبع التزوير، فيصبح التلاعب بالتوصيف هو بداية التعطيل للحكم!
فتوصف على سبيل المثال المقاومات المشروعة والمعروفة بجهاد الدفع:
بأنها عبث .. ودون إذن .. ومفاسدها أعظم من مصالحها .. وتخالف الأعراف الدولية .. وتعرض المصالح القومية للخطر .. وتجلب الصداع الإقليمى .. وتغير الإنتماءات .. وتهدد الإقتصاد بالإنهيار .. ألخ، وبناء على ماسبق من التوصيف: فالحالة التى نحن بصددها الآن ليست جهاداً .. انتهت الفتوى!!
ثم يتبع ذلك التوصيف قابلية الإستحقاق، فتبنى القابلية على أساس واحد وحيد وهو المقاييس النفعية والمتعلقة بالأدوات (أصلاً) لا مصدر المعرفة (الذى أصبح فرعاً)، بمعنى أن استحقاقه لا يقوم على العلم بأنه واجب التنفيذ كهدف فى حد ذاته وإنما على حساب المصالح والمفاسد التى تترتب على تفعيله، ولذلك فقد جاد الزمان علينا بأقوال من قبيل: القتال هلكة محققة ولا ينبغى أن يهلك الإنسان نفسه!!
وهذا خطأ فاحش وتزوير لا أصل له، فمطلب الدفع واجب فى حد ذاته حتى وإن كانت المصلحة النفعية معدومة، وقد يفقد معها الإنسان حياته وماله وأهله، إلا أنها مطلب لا يتعلق بتوابع أو بقيود المنافع المتحصلة من حدوثه، والشاهد على ذلك: أنه لم يحدث على مر تاريخ المسلمين أن دخلوا قتالاً وكانوا أكثر من عدوهم عدداً وعتاداً وتجهيزاً أبداً، إلا فى مرة واحدة وهى يوم حنين .. وقد ذم الله كثرتهم!! .. وكل الآيات التى تحث على القتال تدخل تحت الآية الأم وهى: أنه كتب علينا وهو كره لنا!!! فالهدف تغير .. وتبدل بفعل البراجماتية الشاذة التى عقدت على تفعيل الأحكام الشرعية وصاية لا أصل لها.
ما السبب فى تبنى هذه المفاهيم؟
السبب واحد وله روافد كثيرة .. وهو حب الدنيا وكراهية الموت!
أما روافده فتجدها معلقة فى المصالح الخاصة، والديكتاتوريات، والنظر إلى الدين على أنه من بقايا حقبة الصحراء، وتقديس الحكام والأهواء، وكل هذه الروافد تصب بنا فى النهاية إلى هاوية واحدة وهى تعطيل الحكم .. إما بتزوير الواقع أو بالتلاعب فى قابلية الإستحقاق!
ثم لنا عودة وجزاكم الله خيراً